رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


واقع اقتصادنا السياسي وآفاقه

جريمة، صمت، شهادة، عقوبة متباينة، زنزانة انفرادية، تحقيق، وجريمة، جميعها وقائع تشكل في مضمونها معضلة تواجه ضابط التحقيق الجنائي خلال عملية التحقيق مع المتهمين أحمد وخالد، في القضية الجنائية الأخيرة التي اهتز لها أخيرا مجتمع القرية الصغير.
سعى الضابط إلى معرفة الجاني الحقيقي أو الجانيين الحقيقيين؛ تمهيدا لإكمال إجراءات إحالتهما إلى القاضي للحكم عليه أو عليهما جزاء ما اقترفاه في حق المجني عليه. وضع ضابط التحقيق كلا من أحمد وخالد في زنزانة انفرادية، ثم بدأ عملية التحقيق مع كل منهما على حدة؛ بهدف الحصول على الاعتراف بالتهمة الموجهة إليهما.
أمام أحمد وخالد خياران لا ثالث لهما: إما الصمت خلال التحقيق، وإما الإدلاء بشهادة تدين الطرف الآخر. وهناك ثلاثة انعكاسات لا رابع لها جراء صمت أو شهادة أحدهما أو كليهما. تأخذ هذه الانعكاسات في حسبانها أن أحمد وخالد قد فصلا فصلاً تاما عن بعضهما وليست هناك وسيلة اتصال بينهما خلال عملية التحقيق.
الحالة الأولى أن يلزم أحمد الصمت خلال التحقيق شريطة أن يلتزم خالد الصمت أيضا عندها سيحصل كل من أحمد وخالد على عقوبة بالسجن لمدة ستة أشهر. والحالة الثانية أن يشهد أحمد بأن خالد هو الجاني شريطة أن يلزم خالد الصمت دون الدفاع عن نفسه. عندها سيحصل أحمد على البراءة وسيحصل خالد على عقوبة بالسجن لمدة عشرة أعوام. والحالة الثالثة أن يشهد أحمد بأن خالد هو الجاني شريطة أن يشهد خالد بشهادة شبيهة ومعاكسة تدين أحمد عندها سيحصل كل من أحمد وخالد على عقوبة بالسجن لمدة خمسة أعوام.
صمت وشهادة وتباين في العقوبة من ستة أشهر حتى عشرة أعوام، وزنزانة انفرادية، وتحقيق، وجريمة. جميعها وقائع تشكل في مضمونها ما يعرف بـ ''معضلة السجينين''. تعد ''معضلة السجينين'' محاكاة عملية لنظرية عريقة تعرف باسم ''نظرية الألعاب''. و''نظرية الألعاب'' هذه هي تحليل رياضي يساعد على الوصول إلى أفضل النتائج المستهدفة من خلال سلوك أنسب الخيارات المتاحة أمام صانع القرار تحت ظل ظروف معينة.
ترتبط ''نظرية الألعاب'' بمجموعة من العلوم الاجتماعية عطفا على إسهامها في تشخيص طبيعة الأشخاص داخل المجتمع الواحد. من أحد أهم استخدامات ''نظرية الألعاب'' مجال الاقتصاد السياسي. والاقتصاد السياسي علم يهدف إلى تحليل العلاقة بين الأفراد، والشعوب، والدول، والثقافات من منظور مشترك من زاوية العلوم الاقتصادية والنفسية والسياسة.
صدر في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأمريكية واشنطن كتاب بعنوان ''المملكة العربية السعودية .. الأمن الوطني في إقليم مضطرب'' Saudi Arabia: National Security in a Troubled Region للخبير الأمني في قضايا الشرق الأوسط في جهاز الأمن القوي الأمريكي أنتوني كورديسوان.
قدم الكتاب قراءة تحليلية عن أهم تحديات الأمن الوطني السعودي، والجهود المبذولة في سبيل مواجهتها. استند الكتاب في تحليلاته إلى لقاءات عديدة مع مجموعة من المسؤولين السعوديين والوثائق الأمنية ذات العلاقة.
خلص الكتاب إلى عشرة تحديات تواجه الاقتصاد السياسي السعودي خلال العقد الحالي من الأهمية بمكان مدارستها من منظور اقتصادي بهدف مواجهتها بما يضمن تذليلها وتمهيد الطريق نحو بلوغ رؤية الاقتصاد السعودي وآفاقه، بعون الله تعالى. التحدي الأول قضية الإرهاب وانعكاسات تطوراتها على الاستقرار المحلي والإقليمي، والتحدي الثاني مستقبل العراق وانعكاسات ضبابية الرؤية على إمكانية عودة العراق إلى تصدير كميات النفط العراقي إبان أيامه الذهبية.
والتحدي الثالث امتداد التأثير الإيراني في الخليج وانعكاسات ذلك على السيادة الإقليمية والإمكانات النووية، والتحدي الرابع الاستقرار الداخلي في اليمن وانعكاسات ذلك على تأمين سلامة العلاقات الاقتصادية الثنائية السعودية - اليمنية.
والتحدي الخامس تطور تأثير منظومة مجلس التعاون الخليجي واستدامته وانعكاسات ذلك على المستويين الإقليمي والدولي. والتحدي السادس مستقبل الشراكة الاستراتيجية البينية مع الاقتصاد الأمريكي وانعكاسات ذلك على مستقبل الشراكات الاستراتيجية الأخرى كالصينية والأوروبية.
والتحدي السابع سياسات إدارة عائدات النفط السعودي وآلياتها وانعكاسات ذلك على تدعيم مقومات الاستكشاف والاستخراج والتكرير. والتحدي الثامن تأمين مصادر الطاقة النفطية وسلامتها وانعكاسات ذلك على خطوط إمداد الأسواق العالمية بالنفط الخام.
والتحدي التاسع ديمغرافية الشعب السعودي الناشئة وانعكاسات ذلك على معدلات التضخم، والبطالة، والأيدي العاملة الأجنبية. والتحدي العاشر تنويع موارد الاقتصاد السعودي وانعكاسات ذلك على نمو القطاعات الإنتاجية غير النفطية.
إنه من الأهمية بمكان التأكيد على مدارسة تحديات الاقتصاد السعودي من المنظور الاقتصادي، ومن ثم وضع آليات مختلفة لمواجهتها واستثمار فرصها. يؤخذ في الاعتبار ثلاثة أمور عند البحث عن أنسب آليات المواجهة والتطوير. الأمر الأول صعوبة الحصول على أحسن النتائج بشكل دائم من منظور مسألة ''معضلة السجينين'' أعلاها وأهمية البحث عن أنسب النتائج عوضا عن أحسنها. والأمر الثاني سياسة الاقتصاد السعودي في تحقيق رؤيته الاستراتيجية بحلول عام 2025 وما يتضمن ذلك من السير على الخطط الخمسية التاسعة، والعاشرة، والحادية عشرة (2010 - 2024). والأمر الثالث تطور دور الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة من اقتصاد إقليمي إلى اقتصاد عالمي يؤثر ويتأثر بالقرار الاقتصادي العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي