رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لنحاسب أنفسنا أولاً!

يدور هذه الأيام نقاش حاد ومحاورات ومفاوضات مع الجهات الخارجية التي تُصدِّر لنا سائقي المركبات الخاصة وعاملات المنازل. ومعظم المداولات تتمحور حول مقدار رسوم الاستقدام، وإلى حدٍّ ما الرواتب الشهرية التي يتقاضاها المُستَخدَم. ومن حق الفريق الذي يُمثل الطرف السعودي أن يُساوم على ما يطلبه الطرف الآخر، وعلى وجه الخصوص ما يذهب من الرسوم إلى الدولة ومكاتب الوساطة لتصدير الأيدي العاملة. ولعله من المناسب أن نذكر هنا بأن مكاتب الاستقدام لدينا ومكاتب الوساطة في بلد العمالة المُستقدَمة تحصل على نصيبها كاملاً من مجموع تكاليف عملية الاستقدام بصرف النظر عن مُجمَلْ مقدار المبلغ الذي يدفعه المواطن السعودي.
ولكن هناك جانبا آخر إنسانيا من القضية يجب أن يكون في ذهننا بعيداً عما ستتمخض عنه المفاوضات بين الفريقين، ألا وهو أهمية معاملة المُستقدَمين في بيوتنا معاملة إنسانية تليق بنا كمسلمين، وخصوصاً منهُنَّ السيدات اللاتي ما إن يتسلمن العمل في منازلنا حتى تصبح الواحدة منهن أشبه بالمملوكة، ليس لها من أمرها شيء. ومطلوب منها، ودون أي مبالغة، أن تعمل أكثر من 15 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، تبدأ من أول يوم تصل فيه إلى آخر يوم تُغادر فيه المملكة. ومع ذلك فلا يسْلم بعضهن من اللوم عند أتفه الأسباب ولا من الخشونة غير العادية عند مناداتهن، من أكبر فرد في العائلة إلى أصغر واحد. ولا نشك في أن هذا الوضع ينطبق على إخواننا في بقية دول الخليج. وإذا صادف أن أهل المنزل الذي تعمل فيه العاملة لا يُحسنون طُرق المعاملة الإنسانية، وهو أمر وارد، كان ذلك أشد تعذيباً وإيلاماً على أولئك المساكين. ومما يدعو إلى الاستغراب والدهشة معاً، أنك لا تجد في مجتمعنا الواسع من ينتصر لهن ويتحدث، على أقل تقدير، عن حالهن وينشر الوعي بين أفراد المجتمع من أجل أن تتغير هذه النظرة الدونية من جانبنا لهؤلاء البشر الذين أجبرتهم أوضاعهم الاقتصادية لأن يتركوا بلدانهم وأولادهم ويقطعوا آلاف الأميال من أجل كسب لقمة العيش لمنْ يعولون. وحاشا لله أن نُعمم، فهناك كثيرون ممن يخافون الله فيهم ويرحمونهم ويُغدقون عليهم ويُعاملونهم كأحد أفراد العائلة، فجزآهم الله خيراً. أما الفئة التي نتحدث عنها فقد نسوا ماضي آبائهم وأجدادهم الذين عاشوا قبل عصر النفط في َضنك من العيش، حتى تأصل فيهم احتقار الآخرين، وعلى وجه الخصوص الذين يأتون إلى بلادنا للعمل في منازلنا بطلب منا.
ولا بُدَّ أن الكثيرين منا قد سمعوا عن كثرة هروب عاملات المنازل من بيوت مستخدميهن، وعن عدد آخر منهن يُحاول التخلص من حياته بواسطة الانتحار، وهي ظاهرة مؤسفة ومُحيرة في الوقت نفسه. فهل عملنا بحوثاً علمية ودراسات وافية لمعرفة أسباب هذا السلوك من جانبهن، ونحن نعلم أنهن أتين إلى بلادنا من أجل كسب القليل من المال لمساعدة أسرهن؟ فهناك دون أي شك أسباب جوهرية تدفعهن إلى اليأس وفقدان الأمل في الحصول على أدنى مراتب الحقوق والمعاملة الإنسانية، وإلا لما أقدمن على عمل مؤلم مثل الانتحار، وهن يعلمن مدى حاجة ذويهن لهن ولدخلهن البسيط. وبدلاً من ذلك فنحن نصف تصرفاتهن بالمجنونة وربما بسبب ضعف الإيمان، ولا ندرك أنها في الغالب أفعالنا ومعاملتنا السيئة لهن وعدم احترام شخصياتهن وشعورهن من جانب البعض منا وهن لا حول لهن ولا قوة. كل ذلك يدفعهن إلى اليأس من الحياة الآمنة الكريمة، وهن يشاهدن بأم أعينهن مدى البذخ والإسراف الذي نمارسه في جميع شؤون حياتنا. وهنا نود أن نُشير إلى أن مما يُلطِّف العلاقة بين العاملة التي تُؤدي عملها باجتهاد وأمانة وإخلاص ألا نبخل عليها من وقت لآخر ببضع عشرات من الريالات، إضافة إلى المُرتب الشهري المُعتاد. هذا المبلغ الصغير في قيمته بالنسبة لنا هو كبير بالنسبة لهن، إلى جانب مساعدتهن على الاتصال بذويهن من أجل الاطمئنان والراحة النفسية. وواجب علينا أن نحمد الله الذي منَّ علينا بهذه النعم الكثيرة وجعلنا مُستَخدِمين لا مُستَخدَمين، لعله يرحمنا ويديم نعَمه علينا، وإلا فهو قادر على أن ينتزع منا ما تكرم به علينا من الخير الكثير، حيث يقول ربُّنا سبحانه وتعالى في مُحكم كتابه: ''ولأن شكرتم لأزيدنكم ولأن كفرتم إن عذابي لشديد''.
وفي واقع الأمر، فإن استخدامنا للعمالة المنزلية بهذه الطريقة، خلافاً لما هو عليه الحال تقريباً في جميع دول العالم، لهو أمر شاذ وغير طبيعي، ولا يعدو عن كونه نتيجة لتغيُّر مفاجئ لسلوكنا بعد ظهور الثروة النفطية، غير مُدركين أن ثروتنا هذه لها عُمر قصير. فمع قدومها اكتسبنا حب الرفاهية والخلود إلى الراحة وطغى الخمول الذهني على عقولنا، حتى أصبحت أمورنا لا تسير دون خدم، وصارت عاملات المنازل والسائقون جزءا لا يتجزأ من حياتنا وداخل منازلنا. ولقد أصبح مألوفاً أن تُشاهد بعض نسائنا يصطحبن خدمهن في كل مكان، بل حتى في الرحلات السياحية خارج البلاد. ونحن نعلم أن هذا كله أمر مؤقت، فسوف يأتي اليوم الذي سنجد فيه أنفسنا مُضطرين لأداء واجباتنا المنزلية بأنفسنا مثل باقي البشر. ولكن لا بُد من أن هناك حلولاً وسطية لِما نحن عليه اليوم، وتكون حلولا عملية وقابلة للتطبيق والتنفيذ ومُقدَّمة لمتطلبات المستقبل. فلو أن الدولة ــ حفظها الله ــ ألغت نظام الكفيل الفردي لعاملات المنازل وسمحت بقيام شركات تكون مُهمتها استقدام العاملات والسائقين تحت كفالتها، ومن ثم تؤجرهم إلى المواطنين بنظام الساعات مع نقلهم خلال أوقات النهار، ليعودوا بعد العمل إلى أماكن سكنهم. ولكن هذا الوضع بطبيعة الحال يتطلب تغييرا جوهريا في نمط حياتنا من أكل وشرب وطريقة تصميم المنازل ووسائل النقل العام، وهذا يحتاج أيضا إلى وقت طويل، ربما عدة عقود من الزمن. فهذه مجرد رؤية لما يجب أن تكون عليه الحال في المستقبل حتى نعود إلى الوضع الطبيعي كباقي الشعوب المتحضرة.
ولا بأس من مواصلة المحادثات بيننا وبين مكاتب الاستقدام الأجنبية من أجل تبادل المصالح المشتركة، ولكن ليس التسليم بكل ما يطلبون. فنحن نرى أن بعض الطلبات من جانبهم، مثل الإصرار على معرفة عدد أفراد العائلة ورسم بياني يُظهر مساحة وحجم المنزل، وربما سعة غرفة العاملة المنزلية، لا تخدم المصلحة العامة للطرفين بطريقة مباشرة، وليس من السهولة بمكان توفيرها. وهناك أمور جوهرية أكثر أهمية يجب أن تدخل في مواضيع المحادثات. فنرى أن إعداد المرشحات للقدوم إلى بلادنا من الناحية النفسية وطرق المعاملة ومبادئ تأدية الأعمال المنزلية ستساعد على سرعة اندماج العاملة مع أفراد العائلة. كما يجب أن يكون من الشروط الأساسية المطلوبة منا بموجب عقود الاستقدام أن نُحسن معاملتهن وأن نفتح لهن قنوات اتصال مع مكاتب خاصة تكون مهمتها مراعاة مصلحة الطرفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي