موضة الغضب
الغضب أصبح موضة. إن لم تغضب فأنت غير فاعل. صار تحقير الأجهزة والحط من أقدار الناس بصوت مرتفع هو السلوك المؤثر. إن قررت أن تكون هادئا فأنت بلا شك غير متفاعل، خامل، مجامل. عليك حتى تكون من المنظور إليهم أن تعيد صياغة عباراتك، كي تكون أكثر حدة، وأشد قسوة. ثم لا بأس من أن تضيف إلى هذا وذاك سلسلة من الأصدقاء الذين ينفخون في الرماد ويسهمون في تنصيبك رمزا لا يشبهه إلا ''هبل'' في زمانات جاهلية قريش. هذا الـ ''الهبل'' لو سعل لفعل مريدوه مثل فعله.
الشيء اللافت أن ثقافة المريد، ليست حكرا ـ كما يشاع ـ على الغلاة في الدين، إذ هناك مريدون أيضا في الغلاة من الطرف الآخر، وهذه بحسب التوصيف، تتطلب أن يتكلم ويسمع ويرى بلسان قد لا يكون لسانه وعقل ليس بالضرورة أن يكون عقله وسمع ليس مهما أن يكون سمعه.
هذا الغضب الذي تنثره الفضائيات والصحف يصوغ خطابا عربيا متشنجا، ويعيد تشكيل اللغة بشكل تتسيد فيه الإنشائية في عقل الكاتب الذي ينتظر التصفيق من الجمهور، وينتظر الهتاف منهم لأنه كان أكثر الشتامين ردحا.
صورة فاجعة، لكنها مع الأسف صادقة. هناك تغييب للهدوء ـ لأنه غير مثير، وتكريس للشغب لأن عبارة ''الجمهور عاوز كدة'' أصبحت لغة تصوغ عقول كل العرب. عندما تقلب نظرك في المشهد لن تعدم أن تكتشف أن الداء دلف من باب الرياضة، لكنه حاليا أغرق كل الأبواب.