رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


طب الحشود البشرية: هل هو مجال طبي جديد؟

في تجمع لم يكن فريدا من نوعه، لكن في موضوعه الذي انفرد بالمسمى، ثم بالزمن الذي أقيم فيه والمحتوى الذي طرحه 31 متحدثا، كان ممثلو المنظمات والمؤسسات والمراكز العلمية العالمية يستمعون بشغف خلال ثلاثة أيام لما يعتقد أن يكون تخصصا طبيا جديدا يمكن أن تسجل ولادته الحقيقية في جدة في المملكة العربية السعودية. إن مؤتمر طب الحشود والتجمعات البشرية الذي أقيم في جدة قبل أيام، (23 أكتوبر 2010)، تمت رعايته من لدن خادم الحرمين ـــ يحفظه الله ـــ وافتتح من قبل وزير الصحة السعودي. بحضور مارجريت شان مدير عام منظمة الصحة العالمية، أخذ المؤتمر زخما وسمعة واسعة في الأوساط الصحية؛ كونها جاءت لترى وهي تسمع عن تجربة المملكة العربية السعودية في ضبط الحشود خلال موسمي العمرة والحج، لكن ليس عن قرب وبالأدلة المادية القاطعة.
إن موضوع المؤتمر جاء ليولد أفكارا جديدة لدراسات مستقبلية في مجالات متعددة ومختلفة ليست فقط طبية؛ حيث وضح أن شمول المصطلح لمسؤوليات متعددة الأطراف وما يندرج تحت ذلك يمكن أن يدخل قطاعات مختلفة إلى الدائرة وتصبح المسؤولية معقدة جدا. الموضوع ما زال غضا في مفهومه، لكن ما يجعلنا نحمد الله عليه هو أن المدعوين والمشاركين من خارج المملكة كلهم جاؤوا ليطلعوا عن كثب على ثقل الأمانة التي تحملها المملكة وحجم العمل المطلوب إزاء التجمعات في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة خلال موسمي العمرة والحج. ولقد بدئ بالفعل نقل التجربة بين الأفراد الذين بدوا في المؤتمر متلهفين لأن يقوموا بدراسات متعددة ومختلفة تكون لهم دليلا مستقبليا في أوطانهم للتعامل مع الحشود في المناسبات الرياضية والثقافية والسياحية بشكل أفضل.
لقد كرس المجتمعون أنظارهم حول إيجاد مفهوم يرتكز إلى محاور أو مجالات معروفة ومحددة تمكّن من الانطلاق نحو ضمان سلامة الحشود في أي منطقة، سواء من الناحية الأمنية أو الطبية التي كان المؤتمر يدور حولها. وباستعراض موقف الحجيج أو المعتمرين في المواقع التي يتكدسون فيها لأداء النسك المعين في ذلك الموقع تم تحديد عناصر سيعتمد عليها الباحثون لدراستها خلال السنوات القادمة. هذه العناصر (بتفرعاتها) التي تم الاتفاق عليها ضمنا على أن تؤخذ في الحسبان عند كل تجمع مهما اختلفت الأسباب هي: (1) السبب الذي حدث التجمع من أجله، وفي هذا العامل تم الإبحار في أسباب مثل المناسبات الدينية والرياضية والتسويقية التجارية، والعروض الترفيهية، والحفلات الموسيقية، والتهديدات الأمنية وغير ذلك من عوامل فرعية بين ثقافية وسياحية. (2) أعداد وكثافة المتجمعين، (3) جنسيات المتجمعين، (4) أعمار المتجمعين، (5) مدة الفترة التي يتجمع فيها الحشد، (6) جغرافية الموقع وتضاريسه، (7) مساحة الموقع، (8) الوضع البيئي للموقع، (9) توقيت هذا التجمع خلال العام وتوافقه مع أحد الفصول الأربعة أو توافقه مع حدث سنوي يأخذ مكانه من كل عام في الموقع ذاته أو في موقع قريب منه، (10) الخلفيات الثقافية للمتجمعين، (11) تنظيم الحركة والتدفق، (12) احتياجات المتجمعين، (13) المتوافر من الخدمات لهم. وفي هذه سلط الضوء على الخدمات الصحية بشكل أساس ورئيس؛ لأنه موضوع المؤتمر فركز على المواقع والإمدادات، ثم الشأن التوعوي صحيا من ناحية النظافة والتغذية والتطعيمات الأساسية والضرورية. من ناحية أخرى شمل الموضوع ما يوفر من قبل الجهات الأمنية والدينية والسياحية وغيرها من الجهات التي لها أهمية في إقامة الحدث. (14) مستوى التقنيات المستخدمة معلوماتيا وتجهيزا. (15) التكاليف الثابتة والمتغيرة؛ حيث نوقشت كحجم للمشكلة في بعض الأوراق العلمية، لكن لا زال هناك الكثير ليبحث في هذا الشأن بتركيز وتفصيل. (16) توفر سياسات وإجراءات تضبط وتحكم هذا التجمع من نواحيه المختلفة. (17) توافر دراسات وأبحاث سابقة نتائجها تساعد في تطبيق ما تم التوصية به بمنهجية علمية.
لقد وضح أن بعض الأوراق العلمية التي ألقيت في المؤتمر ـــ بالرغم من حداثتها ـــ إلا أنها افتقرت للبيانات التي تكمل الصورة المراد رسمها، وبالتالي فإن استخدام التقنية سيجعل الوضع أكثر تحفيزا إذا ما تم تحليل المتوافر من صور ثابتة وأفلام بشكل علمي بحت. لا شك أن وزارة الصحة بتوجيه وموافقة خادم الحرمين الشريفين ـــ يحفظه الله ـــ على إقامة هذا المؤتمر، ترجمت أمنيات العالم تجاه فهم هذا المجال من ناحية صحية بشكل عام، خصوصا أن هذه الحشود تجتمع سنويا للأسباب نفسها وفي المواقع ذاته، إلا أن جميع العوامل الأخرى تتغير وهذا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه المملكة ونجحت فيه باقتدار على مر العقود في تقديم الخدمة للحجاج.
أما من ناحية فهم أبعاد هذا المجال الحديث، فما زال مبكرا قول ذلك، وقد تكون السنوات الخمس القادمة ـــ بإذن الله ـــ خير معين بما تحفل به من اهتمام في هذا المجال. ننتظر أن تعلن التوصيات قريبا بشكل رسمي للبدء في تناول الشؤون الصحية المتعلقة بالحشود خلال موسمي العمرة والحج بشكل أكثر شفافية؛ لأن في ذلك قمة التعامل مع الأحداث التي تعني الفرد سواء كان سعوديا أو يعيش في المملكة أم كان من ضمن هذه الحشود التي قدمت لتشهد منافع لها، والله هو النافع سبحانه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي