أسعار العقارات السعودية إلى أين؟
أمنية كل مواطن ليس لديه استثمارات عقارية أن تهبط أسعار العقارات السعودية إلى أسعار ما قبل 2006 على الأقل، وأعتقد أن الحكومة تتمنى أن تحقق هذه الأمنية للمواطن؛ لأنها أدرى بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية المترتبة على ارتفاع أسعار العقارات بما يفوق طاقة المواطن للحصول على المسكن المناسب بآلية الشراء أو الإيجار.
الحكومة والمواطنون هالهم ارتفاع أسعار العقارات في أنحاء المملكة كافة في وقت يشهد فيه العالم أزمة اقتصادية طاحنة خفضت أسعار العقارات في أنحاء العالم كافة ولم يجدوا تبريرا منطقيا لذلك، فالأصل أن الأموال في ظروف الأزمة المالية تجبن وتركد ولا تتحرك نحو أي قناة استثمارية حتى تتضح الرؤية، لكن الواقع كان مخالفا لذلك تماما، حيث كانت تغص قاعات كتابات العدل بعمليات نقل الملكيات للأراضي التي يتداولها المضاربون طمعا في تحقيق مكاسب استثمارية.
يقول لي أحد الأصدقاء إنه ذهب نحو 30 كيلومترا شمال الرياض بحثا عن قطعة أرض يريد أن يقيم عليها استراحة له ولعائلته، حيث توقع أن يكون سعر المتر المربع هناك في حدود 100 ريال، إلا أنه فوجئ بأن سعر المتر المربع السكني أكثر من 600 ريال فرجع فزعا غير قادر على تفسير هذا الارتفاع لأرض برية بعيدة ليس فيها من الخدمات سوى الكهرباء، إلا أنه استدرك حديثه قائلا إنه يظن أن السبب الرئيس زحمة المكاتب العقارية التي تمثل صالات المضاربات على الأراضي في تلك المنطقة، التي تعرف كيف تجعل جميع المضاربين يكسبون بحيل ذكية، حيث تجعل الأرض تدور بينهم دون أن يعلم أحد عن الآخر.
وأستطيع أن أقول إن تصريحات بعض مسؤولي الأجهزة الحكومية استطاعت أن تحد بشكل كبير من المضاربات، الأمر الذي جعل أسعار العقارات تشهد ركودا منذ بداية عام 2010، وهو أمر جيد من جهة إيقاف الارتفاعات المستمرة للأراضي دون مبررات تذكر، لكن لكون السوق العقارية السعودية سوقا غير مدينة من ناحية، ولكونها القناة الاستثمارية الوحيدة الكبرى الموثوقة والآمنة القادرة على استيعاب السيولة المتاحة في أيدي المستثمرين من ناحية أخرى، فإن أسعار العقارات بالمجمل بقيت ثابتة، بل إن بعضها يرتفع بشكل طفيف، نعم هناك (سومات) ومضاربات كبيرة استثنائية قبل الركود تلاشت، لكن في المجمل لم نشهد نزولا يذكر في السوق العقارية، وكل من أراد شراء أرض لبناء مسكن له جال على الأحياء ولم يجد النزول المتوقع.
السوق العقارية أراض ومنتجات عقارية، الأراضي داخل النطاق العمراني وخارجه، الأراضي التي داخل النطاق العمراني لم تشهد انخفاضات ولن تشهد ـــ حسب اعتقادي ـــ بل تمر بمرحلة ركود فقط، الأراضي التي خارج النطاق العمراني تشهد ركودا بسبب ضمور المضاربات، إلا أنها هي الأخرى حسب الواقع لم تشهد انخفاضات، كما يريد المستهلكون، والسبب الرئيس معروف فمن اشترى فقد اشترى من حر ماله ولن يبيع بخسارة، والأرض لا تأكل ولا تشرب ولا ضرائب ولا زكاة عليها، وكلما اقترب العمران منها زادت أسعارها، ومن صبر ظفر وقصص من صبروا وظفروا كثيرة ومتعددة في السوق العقارية.
المنتجات العقارية التي تشكل المساكن نحو 70 في المائة منها تشهد طلبا كبيرا، وهناك فجوة كبيرة بين المعروض والمطلوب، ومن المتوقع أن تزداد عند تطبيق أنظمة التمويل العقاري التي ستمكن ضعف أو ضعفي المستهلكين الحاليين من طلب المساكن لارتفاع قدراتهم الشرائية نتيجة لتطبيق أنظمة التمويل العقاري، وإذا أضفنا لذلك التوقعات السائدة بشأن ارتفاع مواد البناء، خصوصا الحديد والنحاس، فكيف لنا أن نتخيل انخفاض أسعار المساكن؟ بكل تأكيد لا أرى أي بارقة أمل لانخفاض أسعار المساكن أو الإيجارات السكنية.
المنتجات العقارية الأخرى مثل العمائر التجارية التي تشتمل على مكاتب تجارية أعتقد أنها ستعاني انقلاب المعادلة لمصلحة العرض، حيث سيفوق الطلب لسببين رئيسين، الأول ضخ أمتار مربعة من المكاتب تفوق معدلات النمو السنوية من قبل جهات غير استثمارية بالمعنى المتعارف عليه، خصوصا من قبل المؤسسة العامة للتقاعد. والآخر: خروج الكثير من الشركات الصغرى من السوق نتيجة الأزمة المالية الحالية لعدم قدرتهم على دفع التكاليف التشغيلية الباهظة في ظل ضعف الإيرادات، أما عقارات المناطق الصناعية والمولات، فلا أظن أن هناك عرضا يفوق الطلب، وبالتالي فهي للاستقرار أقرب منها للنزول.
وأود أن أوضح أن المنتجات العقارية بكل أنواعها هي المستودع الأكبر لثروات المستثمرين والمواطنين، وهو مستودع يشكل بالنسبة لهم الملاذ الآمن لثرواتهم من جهة المحافظة عليها ومن جهة تنميتها، وفي حال اتخاذ أي قرارات غير مدروسة لتخفيض أسعار العقارات تؤدي إلى قصم ظهر هذا المستودع سيكون المستثمرون والمواطنون قد ضربوا في آخر ملاذ آمن لاستثماراتهم ومدخراتهم، وهو أمر لا يمكن معرفة تداعياته بالسهولة وأثر تلك التداعيات، وعليه أقترح أن يتم التعامل مع القطاع العقاري بكل حذر، وأن يتم معالجة آثار ارتفاع أسعار المساكن والإيجارات والمشكلة الإسكانية بخطط استراتيجية تقوم على تحليل وتشخيص عميقين وإلا قد نتخذ قرارات لا تشكل حلا لما نريد بل تولد مشكلات جديدة تحتاج إلى جهود وتكاليف علاجية لا قبل لنا بها هي الأخرى.
ختاما، أعتقد أننا في حاجة ملحة إلى هيئة عقارية تقوم بمهمة تنظيم وتطوير السوق العقارية وحماية المتعاملين فيها، كما قامت هيئة السوق المالية بتنظيم وتطوير السوق المالية وحماية المتعاملين فيها، وأعتقد أن هذه الهيئة يمكن أن تلعب دورا كبيرا أيضا في تحفيز الاستثمارات العقارية ذات الأثر الإيجابي على جميع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية في بلادنا.