رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطاقة الشمسية هي الحل الأمثل للذروة

يتراوح استهلاك التيار الكهربائي بين الحد الأدنى أثناء الليل، والذروة (الحد الأعلى) خلال أوقات الظهيرة في الـ 24 ساعة من اليوم. ففي الغالب، يكون استهلاك التيار الكهربائي خلال وقت النهار من أيام الصيف أعلى من الليل بكثير. وهذا الوضع يضطر شركات الكهرباء إلى القيام باستخدام مُولدات إضافية مُكلّفة من أجل تلبية طلب الذروة. وفي حالات أخرى تتفق بعض الدول المتجاورة على إنشاء ما يُسمى بالربط الكهربائي، وهو بناء خط ناقل للتيار الكهربائي بين الدول المعنية. ومهمة الخط الجديد هو نقل كمية من التيار من دولة لديها فائض إلى دولة أخرى تكون في حاجة إلى تلك الكمية خلال أوقات مُعينة تُناسب الطرفين. وفي الواقع فإن وجود مثل هذا المشروع أيضا يخدم اقتصاد البلدين ويزيد من فرص التقارب بين الدول، خصوصا المتجاورة منها، ويرفع من مستوى التعاون الاقتصادي بينهما وينمِّي حسن الجوار. وفي كثير من الأحيان تكون مُنشآت توليد الطاقة الكهربائية التقليدية كبيرة إلى درجة يصعب معها التحكم في كميات التيار المُنساب إلى خطوط التوزيع، وذلك فيما يتعلق بتخفيضها إلى المستوى المطلوب حسب التغيُّر الذي يطرأ على الطلب بعد انتهاء الذروة. ما عدا في الحالات التي تكون فيها وحدات توليد الطاقة صغيرة نسبيا ويسهل توقيفها في أي وقت، لكن تكلفة مثل هذه الوحدات تكون أعلى من المولدات الكبيرة. فمحطات التوليد الذرية وكذلك المولدات التي يتم تشغيلها على مراجل غلي الماء وتستخدم الفحم ومشتقات النفط الثقيلة كوقود ليس بالإمكان التحكم في طاقتها الإنتاجية عندما يتطلب الأمر تخفيض كمية التوليد، في غير أوقات الذروة. ونسبة كبيرة من المولدات العملاقة التي ليس من السهل توقيفها خلال مدة قصيرة، تظل تدور دون حاجة إلى توليد التيار الكهربائي؛ ما يُسبب هدرا مما تستهلكه من الوقود بكميات كبيرة.
وبما أن ذروة الطلب على التيار الكهربائي في أغلب الأحوال تحدث أثناء النهار، فإن الطاقة الكهربائية المتولدة من أشعة الشمس تكون أكثر ملاءمة من مصادر الطاقة الأخرى من الناحية الاقتصادية، لملء الفجوة بين الحد الأدنى للطلب على التيار الذي يحدث خلال الليل والحد الأعلى (الذروة) في وسط النهار. وهذا هو ما نحن في حاجة إليه خلال العقدين المقبلين خاصة، وعلى المدى البعيد بوجه عام. ومع التطور التقني السريع المتوقع في صناعة مُنشآت توليد الطاقة الشمسية والخبرة التي سنكسبها مع مرور الوقت، فإننا نأمل أن نتوصل ـــ بإذن الله ـــ بمساعدة الأبحاث العلمية التي تعكف عليها الآن مراكز البحوث في مختلف بلدان العالم إلى إيجاد طريقة ذات كفاءة عالية تُمكننا من تخزين كميات كبيرة من الطاقة المُتولدة خلال وقت بزوغ الشمس واستخدامها بعد الغروب، وهو أمر يؤكد الباحثون قرب إنجازه ـــ إن شاء الله. وبلادنا ولله الحمد من أفضل الأماكن على سطح الأرض من حيث توافر أشعة الشمس لتوليد الطاقة الكهربائية. ويؤكد المتخصصون في علوم مصادر الطاقة الشمسية أن تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية من الشمس أصبحت تُنافس معظم المصادر الرئيسة الأخرى، بما في ذلك الطاقة الذرية التي هي نفسها غير مأمونة العواقب وتُعتبر أكبر مُهدد لسلامة البشر والبيئة. وأصبح معروفا أن تكاليف بناء مُنشأة نووية لتوليد الطاقة يستغرق سنوات طويلة إذا قورن بمولدات الطاقة الأخرى، مع احتمالات مؤكدة بارتفاع قيمة التكلفة خلال مدة بناء المشروع، إلى جانب ضرورة تحمل الدولة المضيفة لضمان الحماية الأمنية الكاملة والتعويض المادي في حالة حدوث كارثة لا قدر الله، وكلها مُكلفة للغاية.
واختيار مصادر الطاقة الشمسية ليس من أجل منافسة مصادر الطاقة النفطية، بل ستكون مُكمِّلة لها؛ ولأنها هي التي ستبقى مصدرا للطاقة إلى أمد طويل بعد نضوب النفط والمصادر الأخرى. ولعله من الملاحظ، بالنسبة إلى المتابعين لشؤون الطاقة، الاهتمام المتزايد في الآونة الأخيرة من قِبل المختصين والمتخصصين حول إظهار المميزات التي تتمتع بها صناعة توليد الطاقة الشمسية دون غيرها من حيث توافر المواد اللازمة محليا وسهولة تصنيعها وسرعة إنشاء محطات التوليد وتشغيلها بأيد وطنية. وأصبحت تُعقد لها المؤتمرات في مناطق عدة من المملكة لتبادل الآراء بين مندوبي الشركات المُصنعة لمواد مرافق الطاقة الشمسية ومؤسسات توليد الطاقة الكهربائية، ومحاولة توطين الصناعة محليا لتكون الفائدة أكبر. ولا يُخفي المسؤولون في كل مناسبة تفاؤلهم في إمكانية تحويل المملكة إلى دولة مُصدرة للطاقة الكهربائية الناتجة من الطاقة الشمسية. ويتوقع المهتمون بشؤون الطاقة أن تُوجِد هذه الصناعة، إلى جانب التشغيل والصيانة، مئات الآلاف من الوظائف الدائمة للشباب السعودي خلال العقود القليلة المقبلة. وفي أحد المؤتمرات التي عُقدت أخيرا في الظهران، وكان لي شرف حضوره، سمعت تعليقا لطيفا من أحد الحضور، وهو خبير ومسؤول كبير في إحدى المؤسسات المهمة في الدولة التي لها علاقة بتوليد الطاقة الكهربائية، ينم عن بُعد في الرؤية ونظرة علمية ثاقبة، حيث قال أثناء إلقاء كلمته: "إن لديه اعتقادا راسخا بأن تكنولوجيا صناعة الطاقة الشمسية سيحدث لها من التطور والتقدم ما حدث لصناعة الكمبيوتر من ثورة في الصناعة وفي البرمجة لم تكن تخطر على البال خلال الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، وها نحن الآن نُشاهد التقدم العلمي والتقني المذهل لصناعة وبرمجة الكمبيوتر الذي فاق كل التصورات".
يبلغ أعلى مستوى للطلب الحالي على الطاقة الكهربائية ما يُقارب 44 وحدة جيجاوات، ويتحول الطلب إلى أدنى مستوى له خلال ليالي الشتاء وهو 20 جيجاوات، أي أن الفارق بين الذروة وأقل كمية من التيار الكهربائي أكثر من 20 جيجاوات أو تقريبا 50 في المائة. وحسب المعلومات الرسمية المتوافرة، فإن استهلاك الطاقة الكهربائية يرتفع سنويا بنسبة 7 إلى 8 في المائة (ملاحظة هامشية: بين تقرير نشر عن ملخص لأداء الشركة السعوديه للكهرباء خلال النصف الأول لعام 2010م أن أقصى حمل يومي بلغ 44207 ميجاوات مرتفعا 10.4 في المائة مقارنة بالفترة المناظرة من عام 2009م)، وهي نسبة عالية بكل المقاييس وتتطلب وضع استثمارات خيالية خلال العقود القليلة المقبلة من أجل تلبية الطلب. فمن المُتَوقع أن يصل استهلاك الطاقة الكهربائية في حدود عام 2030 ميلادي ما يزيد على 100 جيجاوات. ولو استمر الأمر على الوضع الحالي من التوسع في توليد الطاقة باستخدام المواد الهيدروكربونية كوقود، كما هي عليه الحال اليوم، لوجدنا أنفسنا بعد حين نستهلك محليا نسبة كبيرة وغير مقبولة من إنتاجنا النفطي على حساب كمية التصدير. وإذا أضفنا أن أسعار المشتقات النفطية التي تُستهلك لتوليد الطاقة الكهربائية في بلادنا مُخفضة ولا تُمثل إلا نسبة ضئيلة جدا بالنسبة إلى الأسعار العالمية، لتبين لنا المقدار الضخم من المال الذي سنضيفه إلى الدخل العام في حالة بناء مرافق الطاقة الشمسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي