زيادة بدلات الأطباء.. لماذا لم تربط باستراتيجية وزارة الصحة؟

قبل أكثر من سنة صدرت الموافقة السامية بمساواة رواتب الأطباء العاملين في وزارة الصحة بزملائهم العاملين في المستشفيات الحكومية الأخرى. كما تم رفع لائحة لوزارة المالية تقتضي صرف بدل ندرة لكل الأطباء السعوديين دون استثناء بواقع 15 في المائة للطبيب المقيم و20 في المائة للإخصائيين و25 في المائة للاستشاريين, فيما سيصرف 30 في المائة للاستشاريين الذين يحملون تخصصات دقيقة. مبدأ تحقيق العدالة في الأجور قد لا يختلف عليه اثنان, لكن العدالة في الأجور تتطلب العدالة في العوامل الأخرى كساعات العمل والإجازات, وقبل هذا كل احتياج البلد إلى هذا التخصص.
لعل ما أريد أن أركز عليه في هذا المقال زيادة البدلات للتخصصات الدقيقة, فمن المعروف لكل مهتم بالشأن الصحي أن قلة الراغبين من الأطباء في الالتحاق بالتخصصات الدقيقة ليس المشكلة الجوهرية التي نعانيها بدليل أن الخيارات الأولى للأطباء تتجه نحو الالتحاق بالتخصصات الأكثر تعقيدا وربحية في القطاع الخاص. لذا علينا أن نفرق بين التخصصات الدقيقة وبين التخصصات الأكثر احتياجا, التي قد لا تكون بالضرورة تخصصات دقيقة. فمثلا القرار لم يربط بشكل مباشر بين استراتيجية وزارة الصحة لتفعيل مراكز الرعاية الأولية, خصوصا أن المراكز تعاني نقصا كبيرا جدا في الموارد المؤهلة في طب الأسرة. من أجل تحقيق انعكاس استراتيجية وزارة الصحة على أرض الواقع يجب أن تحفز وزارة الصحة أطباءها على الالتحاق بالتخصصات التي لديها عجز في أعدادها بصورة كبيرة كأطباء الأسرة والمجتمع وأطباء الطوارئ والتخدير وغيرهم, خصوصا أن أغلبية مستشفيات وزارة الصحة مستشفيات عامة.
في اعتقادي أن المرحلة الحالية التي نعيشها تتطلب منا كسب ثقة المواطنين بجودة الخدمة المقدمة من قبل مراكز الرعاية الأولية التي تبدأ بجودة الموارد البشرية, والمحفز المالي قد يكون أحد أقوى أدواتها.
كما أوضحت في أكثر من مقال أن التعامل مع طبيب الأسرة ليس على أنه موظف بل يعمل باستقلالية جزئية عن مستشفيات NHS Trust, فالمراكز الصحية تحصل على الميزانية السنوية بناء على أعداد أفراد الحي وغيرها من المعايير. كما يتولى الأطباء تشغيل هذه المراكز وتعيين من يرونهم مناسبين وفق شروط ومعايير محددة تضمن تحقيق الجودة. كما يحصل الطبيب على محفزات مادية بناء على دوره في تقليل وإدارة أمراض الحي كالضغط والسكري أو دوره الإيجابي في تقليل بعض العادات السيئة كالتدخين مثلا, كما يتمتع العاملون في المراكز النائية بمميزات إضافية.
إننا بحاجة إلى تبني ما نجحت وزارة الدفاع ووزارة التربية والتعليم في تحقيقه, فوزارة التربية والتعليم حفزت إقبال المعلمين نحو تخصص الاحتياجات الخاصة عبر زيادة رواتبهم بمعدل 30 في المائة, هذه الزيادة ليست بسبب صعوبة التخصص أو ندرته, فمدرس الرياضيات مثلا يبذل جهدا أكبر سواء أثناء دراسته أو بعد التخرج, لكن العبرة ليست في الصعوبة, إنما لتحقيق استراتيجية دعم ذوي الاحتياجات الخاصة. في اعتقادي أن وزارة التربية حققت مبتغاها بدليل أننا لا نعاني نقصا في هذا التخصص كما كان قبل إقرار هذه الزيادة. أما وزارة الدفاع فتعاملت مع المناطق النائية كمنطقة الخرخير مثلا بمضاعفة الخدمة فيها عن غيرها من المناطق, ما حفز الضباط والأفراد على التسابق من أجل العمل في هذه المنطقة النائية.
لذا, فوزارة الصحة في حاجة إلى قلب المعادلة في ذهن طبيب المستقبل من أجل الالتحاق بالتخصصات ليست الأصعب, بل التي نحتاج إليها ونعاني نقصا كبيرا فيها, كما تلبي احتياج الشريحة الكبرى من السكان. فوضع البدلات يجب أن يكون وفق معادلة أن البدلات الأعلى تتم للتخصصات الأكثر احتياجا لا التخصصات الأكثر تعقيدا ودقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي