في ندوة منتدى الطاقة
لم يكن الاجتماع في الغرفة المطلة على النيل في فندق هيلتون القاهرة، وما تلاه من اجتماعات في الأسبوع نفسه من نيسان (أبريل) 1959م في نادي اليخوت في ضاحية المعادي اجتماعات عادية، لا من جهة المجتمعين، ولا من جهة هدف الاجتماع، ولا من جهة نتيجة الاجتماع.
أما المجتمعين، فهم مدير عام شؤون الزيت والمعادن السعودي الشيخ عبد الله الطريقي، والذي أصبح فيما بعد وزيراً للبترول والثروة المعدنية، ووزير النفط والمناجم الفنزويلي خوان بابلو ألفونسو، ومراسلة مجلة ''بتروليم ويك''، الأكثر نفوذاً في شؤون النفط في زمانها، وآندا جابلونسكي.
أما الهدف من الاجتماعات، فكان لإيجاد كيان دولي يجمع الدول المصدرة للنفط، ويحمي مصالحها أمام الدول المستهلكة، وشركاتها النفطية العاملة على أراضيهم. أما نتيجة الاجتماعات، فكانت وضع مسودة ما عرف بـ ''اتفاق السادة''، والذي مهد الطريق لإعلان تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط ''أوبك'' بين كل من السعودية، والعراق، وإيران، والكويت، وفنزويلا في العاصمة العراقية بغداد في أيلول (سبتمبر) 1960.
لم يكن الإعلان سوى ترجمة لجهود الدبلوماسية السعودية في بث بصيص الأمل في المحافظة على مصالح الدول المصدرة للنفط أمام الدول المستهلكة، وشركاتها النفطية العاملة على أراضيهم بعد أن كاد الأمل يختفي بعد فشل مؤتمر البترول الأهلي الفنزويلي في صيف 1951 في العاصمة الفنزويلية كاراكاس.
عملت الدبلوماسية السعودية بعد تواضع نتائج مؤتمر كاراكاس هذا، على توحيد وجهات نظر الدول المصدرة للنفط نحو آلية مشتركة فعّالة من شأنها تنظيم العلاقات بين الدول المصدرة للنفط من جهة، وتنظيم علاقات هؤلاء مجتمعين، وشركات النفط العالمية العاملة على أراضيهم، من جهة أخرى.
أصبحت منظمة ''أوبك'' بعد تأسيسها في 1960م مؤثرا رئيسا في أسواق النفط العالمية، وسدا منيعا أمام قرارات شركات النفط العالمية بالتخفيض المفاجئ لأسعار النفط، وصانعة قرار في منظومة النفط العالمية، ومصدرا رئيسا لصنع الحسابات الاستراتيجية للدول المستهلكة للنفط.
شهدت منظمة ''أوبك'' خلال مراحل نشأتها ونموها تحديات جساما، وآفاقا طموحة، من توحيد وجهات نظر الدول المنتجة للنفط في الخمسينيات، مروراً بحظر تصدير النفط مطلع السبعينيات، وقوفاً عند انخفاض أسعاره خلال الثمانينيات، وصولاً إلى تطورات إنتاجه مطلع التسعينيات، وحتى ارتفاع أسعاره مطلع العقد الحالي.
لم تكن الدبلوماسية السعودية خلال هذه التحديات الجسام والآفاق الطموحة حاضرة فحسب، وإنما كانت وما زالت مؤثرة في توحيد وجهات النظر، وموائمة بين مصالح منتجي النفط ومستهلكيه، ومحافظة على استدامة أسواق النفط العالمية بما يمكنها من أداء دورها في منظومة الاقتصاد العالمي.
عندما نقف وننظر إلى الخلف لنشاهد مراحل نمو منظمة ''أوبك'' طيلة نصف القرن الماضي، ومن ثم ننظر إلى المستجدات الراهنة في أسواق النفط العالمية وما نتج عنها من نشأة ''منتدى الطاقة الدولي''، فإننا نخلص إلى أن هناك أوجه شبه كبيرة بين منهجية نشأة كل من المنظمة والمنتدى.
فعلى الرغم من دور منظمة ''أوبك'' خلال نصف القرن الماضي، إلا أن إحراق آبار النفط الكويتي مطلع التسعينيات الميلادية الماضية شكل رسالة لأسواق النفط العالمية بالتحديات التي قد تواجه خطوط إمداد النفط إلى الأسواق العالمية.
لم تكن هذه الرسالة مصدر قلق للدول المنتجة للنفط فحسب، وإنما أيضا للدول المستهلكة وشركات النفط العالمية في احتمال تأثر مصالحها سلباً في حال أصاب خطوط إمداد النفط مخاطر من هذا النوع. السبب في ذلك أن اقتصاداتها تعتمد على وجود النفط مصدراً كان أو مورداً. و بالتالي، فإنه من الأهمية بمكان اتخاذ التدابير اللازمة لضمان سلامة خطوط إمداد النفط للأسواق العالمية.
وبالفعل، احتضنت العاصمة الفرنسية باريس في 1991م منتدى وزاريا بهدف بحث آلية جديدة من شأنها تأمين سلامة خطوط إمدادات النفط للأسواق العالمية. عرف المنتدى فيما بعد بـ ''منتدى الطاقة الدولي''، وضم وزراء النفط والثروة المعدنية في الدول المنتجة والمستهلكة للنفط.
عقب هذه المنتدى اجتماعات متسلسلة بهدف توحيد وجهات نظر الدول المنتجة والمستهلكة وشركات النفط حول آلية جديدة لتأمين سلامة خطوط إمدادات النفط للأسواق العالمية. لم تكن نتائج هذه الاجتماعات متوافقة مع التطلعات على الرغم من الجهود التي بذلت من قبل معظم الدول الأعضاء.
لم تجد الدبلوماسية السعودية بداً من أن تأخذ زمام المبادرة لتسهم في تحقيق هدف المنتدى وبلوغ آفاقه. تذكرنا هذه المبادرة بشبيهتها التي سبقت إعلان تأسيس منظمة ''أوبك''، مع مراعاة اختلاف معايير ومقاييس وتطورات وإمكانات الأمس عن اليوم.
كان موقع المبادرة هذه المرة العاصمة السعودية الرياض عندما دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال منتدى الطاقة الدولي السابع في 2000م، إلى إنشاء أمانة عامة للمنتدى. اتخذت الدبلوماسية السعودية بعد هذه الدعوة الكريمة خطوات أكثر عملية بتأسيس مقرها الدائم في الرياض، وتشكيل لجنة إشرافية عليا، واختيار الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول رئيساً لها.
بدأت اللجنة الإشرافية العليا عملها بوضع مسودة ميثاق المنتدى، ومبادرة إنشاء قاعدة بيانات الطاقة المشتركة، ووضع نظام المنتدى وميزانيته تمهيداً للموافقة عليه في دورة المنتدى المقبلة. يعيد تسلسل الأحداث هذه إلى الأذهان مسودة ''ميثاق السادة''، ومركز أبحاث ودراسات النفط، ونظام عمل وميزانية منظمة ''أوبك'' التي عملت قبل أكثر من 50 عاما بمبادرة دبلوماسية سعودية.
يقودنا التشابه بين منهجية تأسيس منظمة ''أوبك'' و''منتدى الطاقة الدولي'' على استقراء دور المنتدى خلال نصف القرن الحالي ومحاكاة أهم تحدياته وآفاقه من منظور نشأة منظمة ''أوبك''. حيث يتوقع أن يشكل ''منتدى الطاقة الدولي'' مظلة رئيسة في صنع قرار منظومة النفط العالمية خلال نصف القرن الحالي.
ستواجه هذه المظلة في بداية عقدها الأول مجموعة من التحديات المتمثلة في استمرار إقناع أطراف المنتدى من منتجين، ومستهلكين، وشركات نفط بتوافق هدف المنتدى الرئيس مع مصالح هذه الأطراف الثلاثة.
ثم لن يلبث المنتدى حتى ينمو متى ما حصلت هذه القناعة المشتركة، ثم يتبع النمو ازدهار يعتمد استثمار فرصة على درجة مواجهة التحديات المستجدة مع نمو تطلعات أطراف المنتدى الثلاثة. وإذا أخذنا في الحسبان دور الدبلوماسية السعودية في هذه الرحلة الطويلة، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على أعضاء منظومة الاقتصاد السعودي ذات العلاقة المباشرة بأسواق النفط العالمية، على أهمية مواءمة إمكاناتها وتطلعاتها بما يمليه الدور السعودي في ''منتدى الطاقة الدولي'' من مستجدات في الدور كماً و كيفاً خلال الفترة المقبلة.
يأتي هذا التأكيد والندوة الدولية للطاقة تختتم مساء اليوم في العاصمة السعودية الرياض. أتت الندوة الدولية الطموحة ومعرضها العالمي للبترول المصاحب بتنظيم من وزارة البترول والثروة المعدنية. يجيء ذلك في سياق احتفال المملكة ممثلة في وزارة البترول والثروة المعدنية بمرور 50 عاماً على تأسيس منظمة أوبك.
مواءمة الإمكانات والتطلعات بما يمليه الدور السعودي في ''منتدى الطاقة الدولي'' من مستجدات في الدور كماً وكيفاً خلال الفترة المقبلة مهمة ليست باليسيرة سيذلل تحدياتها، بعون الله تعالى، طموح الاقتصاد السعودي في تبوؤ مكانه الطبيعي في منظومة الاقتصاد العالمي.