كيف يمنع التفكير غير المنطقي التقدم العلمي ويهدد حياة الناس؟

كيف يمنع التفكير غير المنطقي التقدم العلمي ويهدد حياة الناس؟

الإنكار - سواء أكان متعمدا أم نابعا من العقل الباطن - يعوق التقدم في عديد من المجالات مثل صناعة الأدوية والغذاء وفي المجالات العلمية وهكذا. كما أنه يتسبب في رضى زائف عن الذات، له عواقب مدمرة على العالم الحقيقي.
يزيد الإنكار من الآراء المضللة الراسخة التي قد لا تغير العالم (على الرغم من أن نتائجه أحيانا تكون خطيرة)، إلا أنه يجعل المنكر في حالة من الغفلة الهانئة. في هذه الحالة يتخذ المنكر قرارات حياته بناء على خيالات وأوهام وليس على أساس حقائق. قد تكون الأمور معقدة إلا أن الخيارات ليست كذلك. إن بديل قبول الحقائق العلمية والتكنولوجيات الجديدة بكل ما فيها من عيوب أو مخاطر سيكون هو العودة إلى حقبة العصور الوسطى.
يضرب الكتاب مثالا لإنكار الشركات الكبرى بأحد مسكنات الألم التي أنتجتها إحدى شركات الأدوية العملاقة، الذي كان فعالا للغاية في تهدئة آلام المفاصل بدون الأعراض المعدية المعوية (النزف الداخلي وغيرها) التي تصاحب سواه من مسكنات الألم المعتمدة على الإيبوبروفين. كما لم يكن يحتوي على مركبات أفيونية.
في عام 2003، باعت الشركة المنتجة ما قيمته 2.5 مليار دولار من هذا الدواء الجديد واستخدمه نحو 20 مليون شخص في الولايات المتحدة، إلا أن إحدى الدراسات الطبية أشارت إلى ظاهرة مقلقة: المرضى الذين تعرضوا من قبل لأزمة قلبية يكونون أكثر عرضة للإصابة بها مرة ثانية في حال استخدامهم لهذا المسكن. كما أشارت المزيد من الدراسات إلى النتيجة نفسها.
أصرت الشركة المنتجة - رغم وجود أدلة مقنعة - على عدم وجود صلة بين الأزمات القلبية واستخدام دوائها. كما لاحقت الأطباء والعلماء الذين نشروا دراسات أو أبحاثا تشير إلى مثل هذه العلاقة، بل إن الشركة ضغطت على أحد هؤلاء الأطباء وحاولت تحطيم حياته المهنية. إلى أن أصدرت إحدى الدوريات الطبية البريطانية دراسة تشير إلى أن 88 ألف أمريكي تعرضوا لأزمات قلبية بعض تعاطيهم هذا الدواء، وأن منهم نحو 38 ألف توفوا. سحبت الشركة الدواء من الأسواق. وفي عام 2007، أنشأت صندوقا لتسوية الدعاوى القضائية تقارب قيمته خمسة مليارات دولار، وضع هذا الصندوق نهاية لمئات الدعاوى الجماعية التي كان يمكن أن تؤدي إلى إفلاس الشركة. أعطى إنشاء الصندوق الفرصة للشركة كيلا تعترف أبدا بأي من هذه الدعاوى. وتسببت هذه الشركة في تغيير هائل لموقف الجماهير من شركات الأدوية الكبرى ومن هيئة الأدوية الفيدرالية الأمريكية، حيث فقد الكثير من الناس ثقتهم بأن الشركة أو الهيئة تهتم حقا بمصالح الناس. كما أن رفض الشركة الاعتراف بالمسؤولية تسبب في مستويات جديدة من انعدام الثقة. ومع ذلك، فإن المفارقة الأساسية في هذا الموضوع هي أن هذا الدواء قتل عددا أقل بكثير مما تتسبب الآثار الجانبية للمسكنات الأخرى فيه. فمثلا يتسبب الإسبرين والإيبوبروفين في نزيف الجهاز الهضمي الذي يتسبب في وفاة 15 ألف أمريكي سنويا، ودخول أكثر من 100 ألف غيرهم إلى المستشفي سنويا. لو كانت الشركة المنتجة للمسكن الجديد قد اعترفت بالمخاطر المحتملة لهذا الدواء فقد كان يمكن الاستمرار استخدامه مع التحذير من استخدام المعرضين للخطر له.

الأكثر قراءة