مذكرات وزير سعودي
في ''الوزير المرافق'' يمهد الدكتور غازي القصيبي، يرحمه الله ، طريقا غير مسبوق محليا في الكتابة، أقصد توثيق جوانب من التاريخ الدبلوماسي والعمل الحكومي بالشكل الذي يعطي ملامح عما يدور أحيانا من تفاصيل وانطباعات لا يعرفها العامة. هذا الأمر يسهم في تقديم توضيحات بشكل غير مباشر حول تفاصيل مهمة، وهو فعل يمارسه كثيرون على الصعيدين العالمي والعربي، وإن بدا نادرا في مجتمعنا.
تتنقل مع القصيبي في كتابه اللطيف بين وزراء وزعماء عدد من دول العالم. تتعرف ـــ من خلال نظرته كوزير ـــ على صور هؤلاء الزعماء عن قرب.
تفاصيل بعضها عميق جدا، وبعضها شكلي. رصد لمشاعر وأحاسيس متعددة بدءا من أنديرا غاندي الأم قبل السياسية، مرورا بالملكة إليزابث الثانية والمستشار الألماني هيلموت كول وجيمي كارتر ، وانتهاء بالعقيد القذافي الذي أتيحت للقصيبي فرصة مرافقته في رحلة على الباص على مدى 300 كيلو متر. حمل الباص الزعيمين الملك خالد ، يرحمه الله ، والرئيس الليبي وكان في معيتهما الأمير سلمان بن عبد العزيز وعدد من الوزراء والمسؤولين السعوديين والليبيين. رحلة الباص تمت بعد أن قرر الرئيس الليبي في آخر لحظة الاستغناء عن الطائرة والاستعاضة عنها بالباص حتى تتحقق فرصة أطول للحوار. تناولت الحوارات مجالات شتى شملت الأدب والثقافة والدين والسياسة. وقد نقل القصيبي جزءا منها. كما نقل الكتاب خلفيات تبني قمة فاس مبادرة الملك فهد وما سبقها من مخاض صعب. تفاصيل كثيرة حملها الكتاب ، الذي يمكنك قراءته في ساعات، فهو ليس طويلا، وأسلوب غازي القصيبي فيه سلس للغاية.
والحق أنه بدا واضحا أن الرجل عندما وضع كتابه قرر أن يقول ما يستطيع أن يقوله دون تعديل، لهذا جاءت صور من قابلهم من المسؤولين العرب وغير العرب لافتة للنظر، توخت الإنصاف لكنها حاولت قدر المستطاع أن تتخلص من عبء المجاملة. سقف غازي في ''الوزير المرافق'' كان رحبا، وسقف وزارة الثقافة والإعلام مع كتب الدكتور غازي، يرحمه الله ، صار رحبا أيضا فشكرا لهذا العهد المضيء، عهد عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله. ورحم الله غازي القصيبي ، الذي مهد الطريق لسعوديين آخرين من التكنوقراط كي يكتبوا شهاداتهم للتاريخ.