رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنافسية «البرود باند» ورسملة رأس المال الفكري

في مزرعة نائية في إحدى المناطق الزراعية وعبر هوائي يصله بالعالم عبر الإنترنت يعمل مواطن مع كبريات شركات البرمجة ويحقق عشرات الآلاف من الدولارات، مواطن آخر يعمل في مكتبه المنزلي يقدم خدمات استشارية ويحقق عشرات الآلاف من الريالات دون أن يزاحم الناس في حركة المرور ودون أن يلوث البيئة بحرق الوقود للوصول لمقر عمله.
ماذا يقدم الذين يعملون عن بُعد؟ بكل تأكيد لا يمكن أن يقدموا منتجات في خط إنتاج صناعي فهم يقدمون خدمات استشارية في مجالات متعددة فهذا في مجال تقنية المعلومات وآخر في الاستشارات الإدارية وثالث في المجال الاقتصادي ورابع في مجال الإعلان والعلاقات العامة وخامس في تأليف الكتب وهكذا، يقدمون خدمات يمكن تحويل خط إنتاجها بالكامل من العالم المادي الملموس إلى العالم الافتراضي غير المحسوس، وهذه الخدمات تمثل بكل اختصار رأس مالهم الفكري الذي يضخونه عبر شبكة الإنترنت السريع ''البرود باند'' في شرايين الاقتصاد خدمات تسهم في تحقيق تنمية منشآت اقتصادية أخرى تقوم هذه بدورها بتحويل مستحقاتهم نظير أتعابهم أموالا في حساباتهم.
وبصفة عامة يمكن القول إن رأس المال الفكري هو ''المعرفة التي يمكن تحويلها إلى أرباح''، والسؤال المهم ما الأدوات أو الآليات أو الناقلات التي تمكن الفرد من تحويل المعرفة التي اكتنزها عبر سنين عمره من خلال التعليم والتعلم والتجارب والممارسات إلى مال؟
تأليف الكتب ونشرها وبيعها عبر المكتبات أداة، التدريب في المعاهد التدريبية وفي صالات التدريب أداة، التعليم في قاعات التعليم أداة، العمل كمستشار قانوني أو إداري أو مالي أو اقتصادي أداة .. إلى غير ذلك، ولكن وبكل تأكيد هذه الأدوات المادية وغيرها من الأدوات هي أدوات محدودة من جهة الزمان ومن جهة المكان وتنطبق عليها قواعد اقتصاديات الندرة وتؤثر فيها الثقافات بشكل كبير، فعلى سبيل المثال لا تستطيع المرأة في بلادنا أن تتوسع في التدريب إلا لبنات جنسها وفي صالات معينة وهكذا، كما تؤثر المعايير الشخصية للقائمين على جهات التعليم والتدريب والمكاتب الاستشارية والناشرين وغيرهم والتي تأخذ أبعادا متعددة إضافة لجودة الفكر دورا كبيرا في مدى قبول أو رفض رأس المال الفكري للمرأة وفي مستحقاتها المالية أيضا، ولا أدل على ذلك من دور العلاقات الشخصية والتشابكات الاجتماعية في اختيار الاستشاريين وغيرهم ممن لديهم رأسمال فكري يريدون رسملته حتى وإن كان ضحلا.
نشرت صحيفة ''الاقتصادية'' في شهر رمضان خبر إطلاق مجلس تنافسية الاتصالات وتقنية المعلومات الذي ترعاه هيئة الاتصالات والمعلومات ويموله مركز التنافسية الوطني في الهيئة العامة للاستثمار لمبادرة ''مؤشر انتشار البرود باند'' بهدف تحفيز نشر الخدمة في أنحاء السعودية من خلال إيجاد وتعزيز المنافسة الإيجابية والفعالة بين المناطق الإدارية في المملكة، ولقد مر الخبر مرور الكرام دون تفصيل لأبعاده رغم أهميته البالغة لما له من دور كبير في إعادة تشكيل حياتنا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بشكل غير متوقع.
''البرود باند'' مهم إذ يوفر للمجتمع من خلال توفير الوصول إلى شبكة الإنترنت بسرعات عالية الحصول على مجموعة واسعة من المعلومات وبلغات مختلفة، كما يمكن أفراد المجتمع من التغلب على العوائق الجغرافية والمالية لتوفير الوصول إلى مجموعة واسعة من الفرص التعليمية وهو أمر سيعزز رأسمال المال الفكري لدى الأفراد، و''البرود باند'' يوفر لأفراد المجتمع القدرة على النفاذ لطالبي الخدمات الاستشارية القائمة على رأس المال المعرفي وبالتالي فهو يدعم مفهوم التجارة الإلكترونية وزيادة الإنتاجية الفردية التي تعد أمرا ضروريا لرفع مستوى معيشة أفراد المجتمع ، خصوصا ممن يمتلكون رأس المال الفكري، حيث يسهم ذلك في توفير فرص وظيفية واستثمارية جيدة في الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية بسرعة وفاعلية، وبالتالي فهو يدعم رسملة رأس المال الفكري.
وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نفكر أولا في استثمار الانتشار المتوقع لـ ''البرود باند'' في بلادنا لحل كثير من مشاكلنا مثل البطالة الكبيرة بين النساء والحد من تآكل الطبقة المتوسطة وتخفيض تكاليف المنتجات والخدمات والحد من جشع التجار والوكلاء المحليين .. إلخ، ثم علينا أن نفكر ثانيا في استثماره في تعزيز قدراتنا الاقتصادية عبر رفع الكفاءة الإنتاجية للأفراد والمؤسسات، ولا شك أن البطالة بين النساء في ظل واقعنا الاجتماعي والثقافي يمكن التصدي لها بشكل كبير باستثمار انتشار ''البرود باند'' في بلادنا عن طريق تفعيل فكرة العمل عن بعد لاستثمار رأس المالي الفكري الذي يكتنزنه في عقولهن نتيجة التعليم لسنوات طويلة الذي كلف الدولة المليارات، التي تعد مبددة ما لم نحولهن إلى عناصر إنتاج.
وللمعلومية رأس المال الفكري متعدد الصور ولا يتخيل البعض أنه يمكن أن يُرسمل، فرأس المال الفكري هو تطبيقات الخبرة، تكنولوجيا المنظمة أو الفرد، العلاقات مع الآخرين والمهارات الاحترافية إلى غير ذلك، أيضا يمكن لأصحاب رأس المال الفكري الجمع بين العالمين المادي والافتراضي لتحقيق الإيرادات، إذ يمكن أن تبني على سبيل المثال من لديها خبرة في التجميل صالونا إلكترونيا تعرض فيه خدماتها وأسعارها وكيفية الحجز والدفع ،إلى غير ذلك.
ختاما أود من وزير العمل الجديد الدكتور عادل فقيه وهو الذي يمر بفترة تحليل وتشخيص لواقع سوق العمل في بلادنا أن يأخذ فكرة العمل عن بعد في ظل انتشار ''البرود باند'' المتوقع في بلادنا بعين الاعتبار ووضع خطة لمعالجة مشكلة البطالة عموما والبطالة بين النساء على وجه الخصوص من خلال استثمار الفرص المتولدة من انتشار ''البرود باند'' في أنحاء بلادنا كافة في السنوات القليلة القادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي