السعادة حول العالم .. مفارقة الفلاحين السعداء والمليونيرات التعساء
عندما بدأ علم الاقتصاد يتخذ أساليب تحليلية، بدأ يعرّف الأرباح على أنها رمز لرفاهية الإنسان. وظهر مفهوم الاستفادة القصوى (الحصول على أقصى استخدام ممكن للسلع والخدمات)، وصار يعتمد على مقاييس الدخل، لكن ليس المال دائما هو أفضل مؤشر على ما يريده الناس.
على سبيل المثال، يختار بعض الناس عملا أقل دخلا لكنه أكثر إمتاعا ويشعرون بالرضى التام. لذلك يقوم علم اقتصاد السعادة بتوسيع تعريف الاستفادة. يقيس هذا العلم التجمعات الاجتماعية والديموغرافية والوضع الوظيفي والبيئات السياسية والموارد الاقتصادية ومدى توافر الخدمات العامة ليقدم صورة شاملة عما يعبر عن الرضى في بلد ما. هذه القياسات تسهل المقارنات بين الدول.
تأتي معظم البيانات حول السعادة من الدراسات الاستقصائية التي تطلب من المشاركين فيها أن يعبروا عن ''الأفضليات التي يمكنهم التعبير عنها''. وفي المقابل، يعتمد علم الاقتصاد التقليدي على ''الأفضليات الظاهرة''، وهي ما يستنتجه الباحثون بشأن دوافع الناس بناء على إجاباتهم.
وجدت استطلاعات الرأي أن ما يقوله الناس يختلف عن الردود التي يستنتجها الباحثون. وذلك لأن المواطنين العاديين لا يمكنهم أن يؤثروا في القضايا الكلية، مثل السياسات الحكومية، التي قد تؤثر في الخيارات المتاحة أمامهم لتحقيق السعادة.
تعتمد النتائج ذات المصداقية على طريقة تصميم الدراسات الاستقصائية، وعلى صياغة أسئلة الباحثين، وترتيبها. وعلاوة على هذا، فإن مزاج المشارك في هذه الدراسات قد يؤثر في الردود والإجابات التي يكتبها.
أما الأبحاث التي تجرى على المجموعة نفسها من الناس على فترات زمنية مختلفة قد تؤدي إلى تخفيف تأثير الصفات الشخصية في الردود. فالأسئلة حول الرضا عن الحياة والسعادة غالبا ما تسفر عن نتائج مترابطة للغاية.
يتمتع الناس في الدول الغنية في المتوسط بسعادة أكبر من أولئك الذين يعيشون في الدول الفقيرة، إلا أنه لا علاقة بين زيادة الثروة وزيادة السعادة. حتى في الدول الفقيرة. يؤثر التفاوت في الدخل على الرضى عن الحياة في أمريكا اللاتينية أكثر مما في الولايات المتحدة وأوروبا، وقد يرجع هذا إلى أن الناس في الدول المتقدمة ترى التفاوت في الدخل على أنه من محفزات النجاح وليس كحالة من عدم المساواة التي لا يمكن التغلب عليها. وبالطبع هناك عوامل أخرى للسعادة غير المال مثل الصحة وفرص العمل والعلاقات الطيبة بالناس.