رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الإصلاح الهيكلي طريقنا الجديد للنمو

يلعب الإصلاح الهيكلي دورا مهما في تحفيز الإنتاجية، وزيادة النمو الاقتصادي، ورفع مستوى المعيشة للمواطن. والإصلاح الهيكلي يأخذ أشكالا عدة، فهو إما يركز على جانب واحد كإصلاح آلية الأسواق مثلا، أو يشمل جوانب عدة في الاقتصاد، كأسواق العمل، والرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية، وغيرها. والتناسق بين هذه البرامج مهم جدا لنجاح خطة الإصلاح الهيكلي، وعملها لا يمكن أن يتم بشكل منفصل عن الآخر، حيث قد يؤدي العمل على جانب ما في إصلاح أسواق العمل إلى التأثير بشكل سلبي على جوانب أخرى تتعلق بإصلاح أسواق المنتجات، ومما يؤدي إلى تقويض الجهد الذي تم بذله والموارد التي تم تخصيصها في سبيل تحقيق الإصلاح الهيكلي المطلوب.
في المملكة لدينا برامج عدة للإصلاح الهيكلي، وكل وزير جديد يأتي ومعه برنامج مختلف تماما عن سابقه؛ ما يتطلب تخصيص موارد جديدة، وتغيير أنظمة، وإجراءات تغييرات تنظيمية، وإعداد العاملين لتقبل وإنفاذ هذا التغيير والبرنامج الذي يرغبه الوزير الجديد، ويعتقد جازما أنه الطريق لتحقيق الإصلاح. بالطبع لكل وزير الحق في وضع برامج وزارته واستراتيجياتها، لكن فيما يتعلق بالجوانب الهيكلية في الاقتصاد، فيجب ألا يكون عمله بمعزل عن البرامج الأخرى التي تمثل مكونات برنامج الإصلاح الهيكلي. وفي المملكة بالذات يعد الإصلاح الهيكلي الوسيلة الأفضل لتحقيق نمو إضافي في الاقتصاد بسبب أن هناك حدودا عليا لما يمكن أن تقدمه السياسة المالية والنقدية، حيث يعزز الإصلاح الهيكلي ـــ كما أشرت ـــ من إمكانات الإنتاج، ويزيد من التوظف، ويقلل من الاعتماد على الموارد الطبيعية كمصادر رئيسة للدخل.
وسأضرب أمثلة على البرامج المتعلقة بالإصلاح الهيكلي لنتعرف على مشكلة أساسية تسبب فشلا كبيرا لهذه البرامج، حيث لا تحقق الهدف المرجو منها. أول مثال على ذلك إصلاح أسواق العمل، حيث عملت القيادات التي تولت هذا الملف بمعزل عن ملفات برامج الإصلاح الهيكلي الأخرى، وبالتالي لم تفلح هذه القيادات في إحداث التغيير المطلوب وتحقيق الأهداف المرجوة. والسبب في ذلك، أن إصلاح أسواق العمل لا يأتي بمعزل عن إصلاح أنظمة التعليم، وأنظمة الرعاية الصحية، أو إصلاح الأنظمة البلدية، أو إصلاح أنظمة التقاعد، أو أنظمة التأمين، أو نظام الاستثمار الأجنبي، أو المنافسة، بل جميع هذه القطاعات تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في بعضها بعضا؛ ما يتطلب مراعاة التأثيرات الجانبية Spill-Over من قطاع إلى آخر. المثال الآخر إصلاح قطاع السياحة، وهو القطاع الأكثر ارتباطا من غيره بكل قطاعات الاقتصاد الأخرى. فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الهيئة العليا للسياحة لتعزيز هذا القطاع، إلا أن جهودها تتأثر بشكل كبير بالتقدم في الجهود التي تعمل في قطاعات أخرى كالأمانات، ووزارة التجارة، والنقل، وغيرها؛ مما يجعل من المستحيل وضع برنامج لإصلاح هذا القطاع وتعزيز موارده دون العمل مع جميع قطاعات الدولة الأخرى. كذلك، لا يمكن للجهات الأخرى عند وضع تشريعاتها أن تغفل تأثير هذه التشريعات والتنظيمات على قطاع السياحة أو أي قطاعات اقتصادية أخرى.
مثال أخير، الاستراتيجية الصناعية التي تعمل عليها وزارة التجارة والصناعة، وهي برنامج طموح يهدف إلى تعزيز قطاع الصناعة وإعادة بعثه من جديد. ما يقلقني في هذا الجانب أن نجاح الصناعة، واعتبارها صناعة وطنية حقيقية يرتبط بشكل كبير بالأيدي العاملة التي ستقوم بالعملية الإنتاجية، وبذلك فإن هذا النجاح الحقيقي (وليس الشكلي فقط) لهذا البرنامج من عدمه سيعتمد على النجاح في قطاع العمل وتعزيز الاعتماد على اليد العاملة السعودية. هذه الأمثلة الثلاثة هي غيض من فيض من عملية الترابط المعقدة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة في إطار الإصلاح الهيكلي. إذن ما هو الحل، وهل علينا أن نتشاءم من مستقبل عملية الإصلاح؟
التجربة الدولية في أكثر الدول تقدما تؤكد هذا التعقيد وهذا الترابط، خصوصا إذا انطوى ذلك على مشاكل سياسية تتعلق بتمرير برامج الإصلاح الاقتصادي في البرلمانات، حيث تتحول من برنامج متكامل إلى برنامج مختلف عند خروجها من البرلمان؛ بسبب التجاذبات والتنازلات التي تفرض لتمرير النظام، وأقرب مثال على ذلك برنامج الرئيس أوباما لإصلاح الرعاية الصحية الشاملة في الولايات المتحدة. ويزداد هذا التعقيد إذا كانت الموارد المطلوبة للقيام بعملية الإصلاح الهيكلي غير متوافرة أصلا، وتحتاج إلى زيادة في الضرائب لتوفيرها. لكن على الرغم من ذلك، فإن الدول المتقدمة والمنظمات الدولية تؤكد أن طريق الإصلاح الهيكلي هو الطريق الأمثل لتعزيز إمكانات الاقتصاد وزيادة تنافسيته. وهذا حدا بمنظمة التعاون الاقتصاد والتنمية التي ينضم تحت لوائها جميع الدول المتقدمة تقريبا إلى وضع برنامج طموح وكبير للإصلاح الهيكلي؛ لتعزيز إمكانات النمو في الدول الأعضاء فيها.
يتمتع برنامج الإصلاح الهيكلي في المملكة بدعم كبير من القيادة الكريمة، والمملكة تمر في ذلك بمرحلة طبيعية تمر بها الاقتصادات الناشئة. لكن المشكلة التي أعتقد أنها تقوض أو تقلل من نجاحات هذا البرنامج هي عدم وضوح مبادئ وأهداف وآفاق وتطلعات هذا البرنامج بالنسبة إلى الجميع. لذلك، فإنه يمكن تعزيز برنامج الإصلاح الهيكلي بوضعه في إطار واحد يتضمن المبادئ التي يقوم عليها، والأهداف التي يرجى تحقيقها، واستراتيجيات تحقيق هذه الأهداف، حيث يضمن التنسيق الكامل بين مكونات هذا البرنامج، ويقلل من الاعتماد على المبادرات الفردية للوزراء الجدد، التي قد لا تتفق مع روح هذا البرنامج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي