«العمل: التقني والمهني للتدريب العامة وزارة مؤسسة»

ليست لعبة ترتيب الكلمات ما أحاول سرده في هذا العنوان، ولكن هي سيامية شديدة التعقيد في حاجة إلى محترف بارع في فصل التوائم السيامية، لفصل هذا السيامي الذي شاخ ولم ينعم بما يشفع له أن يكون ذا أثر راسخ في نهضة المجتمع وتقدمه. فمخرجات المؤسسة العامة للتدريب والتعليم التقني والمهني على كثرتهم العددية، وتنوع تخصصاتهم العلمية، إلا أن مخرجات هذا القطاع لا تحظى بالثقة اللازمة من القطاعات المستهدف تقديم الخريجين لملء حاجتها من الكفاءات الوطنية المؤهلة للعمل.
إن هاتين المؤسستين الحكوميتين تعانيان تداخلا في الأهداف، واختلافا في الوظائف وقبوع إحداهما تحت مظلة، الأخرى لتمكين البيروقراطية، وقتل فرص الإبداع والتحرر في مجاراة متطلبات السوق، لتهيئة المنتج المطلوب لسوق العمل، والذي سيساعد على تحقيق الاكتفاء الوظيفي للقطاع الخاص، ووأد البطالة قبل أن تستشري في مفاصل المجتمع، وتحقيق الموازنة العادلة في الفرص بين كفاءات الوطن والكفاءات المستقدمة لملء الفراغ الذي طالما اتسع، ولم نجد ما يسده، على ضخامة الإنفاق ودعم الحكومة لمعالجة هذا الأمر.
أعرف أحد الشباب المتميزين ممن ينتمون لهذه المؤسسة المترهلة عدديا، وهو من الشباب القلائل الذين نغبطهم على قدراتهم المتميزة، وقوة صبرهم، وعقلياتهم التي يؤمل منها الكثير. هذا الشاب حصل على فرصة الابتعاث لإكمال الماجستير، وألزم كبقية منسوبي المؤسسة بالبحث عن جامعة مرموقة ومعتمدة من قبل وزارة التعليم العالي في المملكة، ثم ألقي به ليصارع اللغة ويتغلب عليها في فترة فعليا لا تتجاوز ثلاثة أرباع العام. عندما التقيته عند وصوله إلى بريطانيا، وجدت فيه الأمل والتطلع إلى المستقبل المشرق، حدثني كثيرا عن تخطيطه لاستغلال فترة إقامته في التواصل مع المختصين ليعرض عليهم اثنين من أفكاره التي ينوي العمل على إحداها كمشروع تخرج، وهو اختراع لو نفذ لساعد كثيرا على الحد من حوادث السيارات والقتل المتواصل الذي نعانيه. كنت مسرورا جدا وأنا أرى هذا الشاب وقد التحق بواحدة من أعرق الجامعات البريطانية وهو يحمل هما وطنيا، وهدفا ينتظر الوقت ليحين حتى يتحقق. لم يكن يتحدث أو يهتم كثيرا لمسألة اللغة، لأنه يعرف أن اللغة مجرد وقت يقضيه الطالب في تنمية محصلته اللغوية وسيتغلب عليها سريعا. ولكن الذي لم يدر بخلده، أن الوقت المخصص لتحقيق هذا الهدف لم يكن كافيا إلا ليلامس منطقة القبول التي تشترطها هذه المؤسسة العريقة، فاتجه مثل بقية زملائه من مبتعثي المؤسسة للبحث عن حل ولو بالتنازل عن مرتبة الجامعة، للحصول على قبول من جامعة معترف بها دون شرط إن تكون من ضمن الجامعات الكبرى في التخصص. واستطاع أن يحضر القبول المطلوب، وأن يجتاز الاشتراطات كافة لهذه المؤسسة، لكن الفاجعة عندما بعث بطلبه المؤيد من قبل الملحقية بأن التخصص مطابق لتخصصه وأن الجامعة من ضمن الجامعات المقبولة، ليكون رد المؤسسة بعدم تطابق البرنامجين، مع العلم أن تخصصات الماجستير تكون عادة في التخصص العام مع اختلاف المسميات التسويقية من الجامعات.
كانت الصدمة كبيرة، ورأيت الحلم ينهار أمام عينيّ ولم أستطع أن أقدم أي شيء، سوى بعض النصائح التي حاولت من خلالها حث هذا الشاب على معالجة وضعه، والتواصل مع مرجعه لمحاولة إقناعهم بوجهة النظر التي تكفل له معالجة وضعه والمحافظة على حلمه الذي كان قد بدأ في إعداد الرسومات التفصيلية له. وليت القصة انتهت عند هذا الحد، فقد علمت منه أن أحد أصدقائه والذي كان يستعد ليلتحق بالمؤسسة التعليمية نفسها ، قد تخلى عن حلمه أيضا عندما علم بما أصاب رفيقه. لتنتهي أحلام شابين، وقد ينتهي معهما كثير من الشباب وكثير من المشاريع البحثية التي يحلمون بها.
المشاهد هنا أن المؤسسة تلتزم بتوجيهات واعتماد وزارة التعليم العالي في الابتعاث للمؤسسات التعليمية المعترف بها، وتحث على ذلك، ولكنها تخالف لائحة التعليم العالي التي تتيح للطالب دراسة اللغة في سنتين متى ما رأت أن الطالب في حاجة إلى هاتين السنتين لتطوير لغته التي سيدرس بها، ويتعامل بها، ومن الممكن أن يفرض عليه التدريس بها مستقبلا. وبذلك تأخذ المؤسسة ما تريده، وتخالف ما لا تريده دون أن توفر لمبتعثيها البدائل التي تكفل لهم النجاح.
من الواضح أيضا وبعد أن طورت المؤسسة في نظامها، وغيرت في مسماها أن تتجه المؤسسة لقطاع التدريب المهني والتقني، ولكنها في الوقت نفسه تنافس الجامعات في تقديم البرامج التي لا يستفيد منها ملتحقو هذه المؤسسة. فلو ركزت على التدريب المنتهي بالتوظيف الإلزامي لكان خيرا لها، مع التركيز على جودة المخرج التعليمي، حتى لا يرفض وفقا لقواعد العرض والطلب التي يتبناها السوق.
أيضا فإن بقاء هذه المؤسسة تحت المظلة الإشرافية لوزارة العمل لا يفيدها كثيرا، خصوصا أن الوزارة لا تتبنى إقرار القوانين اللازمة لصالح توظيف هذا الطيف الكبير من الشباب والشابات، ولا أريد أن أخوض كثيرا في هذا المجال. ولكن السؤال الذي طُرح سابقا وأعيده هنا: هل بقاء هذه المؤسسة التعليمية بعيدا عن مظلة التعليم العالي يخدم الوطن وأبنائه، أم يصب في مصلحة من؟ وهل من صالح هذه المؤسسة أن تستقل أو أن تبقى تحت مظلة أي من وزارتي العمل والتعليم العالي؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي