معالجة التستر وإفرازاته في إطار نظام الاستثمار الأجنبي (2 من 2)
في المقالة السابقة بينت أنه بإمكاننا في إطار نظام الاستثمار الأجنبي المشترك أن نعالج عدة مشكلات ناشئة عن انتشار ظاهرة التستر(الاستثمار الأجنبي المُستتر تحت عباءة المواطنين) مثل مشكلات الكفيل، تجارة الإقامات، ضياع حقوق المواطن والوافد، ضياع حقوق الدولة، عدم دقة البيانات، سوء الظن والعلاقة المتوترة بين المواطنين والوافدين. واليوم أود أتعرض لمشكلات كبيرة أخرى ناشئة عن التسّتُر يمكن معالجتها أيضا في إطار الاستثمار الأجنبي المشترك وهي مشكلات رداءة الجودة، وارتفاع الأسعار، وضياع حقوق المستهلكين.
أحد أهم أسباب ضعف جودة الخدمات والمنتجات التي تقدمها الشركات الصغيرة والمتوسطة هي ممارسة جريمة ''التستًر'' بشكل واسع ذلك أن المُتَسّتَر عليه هو مُستثمر أجنبي غير نظامي واقع تحت رحمة المُتسّتِر، ويخشى طغيانه في أي لحظة وفي أي مرحلة من مراحل نجاح المشروع، لذا تجده يعمل على تحقيق أعلى الإيرادات بأقل الاستثمارات مع عدم الاحتفاظ بقدر الإمكان بأي أصول متداولة أو غير متداولة يمكن أن يستولي عليها المواطن المُتَسّتِر أو أبناؤه عند كبره أو وفاته وهي أمور حصلت كثيرا، كما تجده يتجنب ضخ أي استثمارات لتطوير الاستثمار للأسباب ذاتها. وكل هذا ينعكس سلبا على مستوى جودة الخدمات أوالمنتجات التي تقدمها الشركات الصغيرة والمتوسطة وعلى نموها لتصبح شركات كبيرة، الأمر الذي ينعكس سلبا على المواطنين والاقتصاد الوطني.
بل إن الأمر أسوأ من ذلك إذ ينتقم المُتَسّتِرون وعمالتهم من المستهلكين لكونهم مواطنين من جنسية المُتسّتِر، باستنزاف أموالهم بتقديم خدمات ومنتجات رديئة عمدا لإلحاق الضرر المالي، بل وحتى الصحي بهم هذا فضلا عما يقدمونه لهم من أسعار عالية لتعويض ما يأخذه منهم المواطن المُتَسّتِر. وبالمحصلة فإن التَسّتُر أوجد علاقة متوترة بين المواطنين والوافدين أفضت إلى ما أفضت إليه من نتائج سلبية يعانيها المستهلكون بالمحصلة، كما يعانيها الاقتصاد الوطني. والتستر وإن أصبح عُرفا، بل حقا مكتسبا يدافع عنه المواطنون المُتَسّتِرون دون خجل أو خوف فهو جُرمٌ ذو آثار سلبية لا تعد ولا تحصى.
حجم التَسّتُر كبير وهو واضح للعيان رغم عدم وجود بيانات دقيقة، فكلنا يعلم أن المحال المنتشرة في المناطق كافة، فضلا عن كثير من المدارس والمطابع والمصانع والورش، مملوكة للوافدين تحت مظلة التَستُر. وكلها تعمل بالحد الأدنى من متطلبات الاستثمار في وضع غير نظامي، وفي مناخ الشك والريبة والاستعداد لما هو أسوأ، والعمل بنظرية ''كُل فطير وطير''. وأعتقد أن أكثر من 80 في المائة من السجلات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المسجلة في وزارة التجارة( 821.644) سجلاً تجارياً حتى نهاية الربع الثاني من عام 1431 هـ، هي لاستثمارات وافدة تعمل تحت مظلة التستُر، ويجب أن تتم معالجتها بسرعة حماية للاقتصاد الوطني أولا، ولحقوق المستهلكين ثانيا، وحماية لحقوق المستثمرين من مواطنين ووافدين ثالثا، إضافة إلى حماية حقوق الإنسان بما يعزز صورة المملكة دوليا رابعا.
يُفكِر المستفيدون في إطار مصالحهم الضيقة، دون النظر لمصالح البلاد ودون التفكير بإيجاد بدائل علاجية لما هم فيه من مخالفات تحقق لهم العوائد التي يستهدفونها، كما تحفظ للوطن والمواطنين وشركائنا في التنمية من الوافدين حقوقهم. ومن المؤلم حقا أن ينجرف المسؤولون وراء فكر المستفيدين وإن كثروا، فالمسؤولون قيادات واعية تفكر في تحقيق مصلحة الأطراف كافة بما يحقق المصلحة الوطنية، دون الإضرار بأي طرف من الأطراف، وبالتالي فإني آمل ألا ينجرف محافظ هيئة الاستثمار ـ وهو المسؤول الأول عن هيئة الاستثمار ـ وراء رغبة المستثمرين المُتَسّتِرين على المستثمرين الأجانب، بإقفال الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإبقاء التستُر على ما هو عليه إذ المطلوب أن نعمل على معالجة مشكلة التستُر من خلال تطبيق نظام الاستثمار الأجنبي المشترك بفعالية عالية بما يعود على المستثمرين المواطنين والوافدين العاملين تحت مظلة التستر حاليا بالمنفعة، حيث ينتقلون للعمل في إطار النظام وتحت الشمس بما يحفظ حقوقهم وينمي أعمالهم لينتقلوا من حالة التوتر والقلق والجاهزية لإغلاق النشاط بأي لحظه إلى حالة الاستقرار والاستدامة والنمو، وكل ذلك بكل تأكيد سيعود على الجميع بالفائدة الكبيرة، حيث ينمو الاقتصاد الوطني بنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة بمرور الزمن لتصبح شركات كبيرة بسبب الاستقرار النفسي لملاكها، وتأخذ الدولة حقها من الضرائب وينعم المستهلكون بمنشآت اقتصادية صغيرة ومتوسطة (الأكثر عددا) تقدم أجود الخدمات والمنتجات في جو من العلاقات الودية بين المواطنين والوافدين.
أيضا يجب أن نلاحظ أن معالجة جرائم التَسّتُر وإفرازاتها في إطار نظام الاستثمار الأجنبي المشترك، سيحافظ على صورة بلادنا من جهة التزامها باتفاقيات منظمة التجارة العالمية خصوصا وأن الهيئة ــ كما قال محافظها ــ جهاز تنفيذي لا يمكن له إغلاق قطاعات أو إيقاف تراخيص أنشطة معينة، وأن تخالف توجهات الدولة وأنظمتها وخياراتها الاستراتيجية المتمثلة في انفتاح الاقتصاد السعودي، وتشجيع المنافسة بما يخدم المستهلك واندماج الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي وما يترتب على ذلك من التزامات واستحقاقات.
ختاما، أرجو من الهيئة العامة للاستثمار ألا تتشدد في شروط تراخيص الاستثمار المشترك وألا تكون مراجعاتها وخطواتها مثبطة للاستثمار الأجنبي المشترك ذلك أنها جاءت لتحفز الاستثمار لتوطين الاستثمارات المحلية وجذب الأجنبية المباشرة منها والمشتركة، وبكل تأكيد معظم المواطنين يناسبهم نظام الاستثمار الأجنبي المشترك الذي يحفظ حقوقهم وشركاؤهم من الوافدين من أصحاب المهن والحرف والخبرات والمهارات وينمي أعمالهم ويحقق لهم الاستقرار والاستدامة، كما أرجو من معالي المحافظ ألا يضع ضوابط تحد من الاستثمارات الأجنبية المشتركة في مجالات الأنشطة الصغيرة والمتوسطة رحمة بالبلاد والمستثمرين والمستهلكين معا، أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فلا بأس أن ندفع المستثمرين الأجانب إلى الاستثمارات الكبرى ذات القيمة المضافة.