معضلات التحوُّل في جنوب إفريقيا
كانت الولادة الجديدة للأمة تجربة فريدة في إقامة نظام جديد مبني على حقوق ومبادئ المساواة. إلا أن مهمة الحكومة الجديدة لم تتوقف عند حدود إعادة تشكيل كمؤسسات الدولة وقوانينها وإنما كان عليها أيضا تضميد الجراح الروحية والعاطفية، ولأن جنوب إفريقيا لم تجد من يساعدها في هذا، كان عليها رسم مسارها بنفسها.
نشأت دولة جنوب إفريقيا الحديثة عام 1910 عندما انتهى الحكم الذاتي لاتحاد جنوب إفريقيا وانتهي الحكم البريطاني. كان البوير هولنديون انتقلوا إلى جنوب إفريقيا عندما كانت مستعمرة هولندية، ثم سقطت جنوب إفريقيا في أيدي البريطانيين فعانى البوير معاملة الإنجليز السيئة لهم.
إلا أن البوير بعد استئثارهم بالحكم في جنوب إفريقيا لم يتوانوا عن اضطهاد الأفارقة سكان البلاد الأصليين ووضعوا سياسات الفصل العنصري التي تعطي كل الامتيازات لهم. وبعد عقود من المقاومة توفي خلالها ما لا يقل عن 30 ألف شخص في الكفاح ضد نظام الفصل العنصري بين عامي 1976 و1994، بدأت الضغوط الدولية على البوير بعد تغير المصالح الأمريكية والأوروبية إبان انهيار الاتحاد السوفياتي.
بدأ نيلسون مانديلا وزملاؤه في التفاوض على بداية نهاية حكم البيض، بينما لا يزال في السجن. وعلى الرغم من وجوده في السجن إلا أنه كان ذكيا ومنظما ومستعدا لاستخدام خطط جديدة للتوصل في النهاية إلى إلغاء نظام الفصل العنصري. كما كان أيضا يحظى باحترام البوير. تولى حكم جنوب إفريقيا بعد انتخابات ديموقراطية في عام 1994، إلا أنه أعلن تنازله عن الحكم في عام 1999.
وبعد ما يقرب من 15 عاما من إنهاء نظام الفصل العنصري، لا تزال هناك أربعة أشباح من الماضي تطارد جنوب إفريقيا في الحاضر وتهدد مستقبلها ألا وهي: العنصرية، والتعصب القبلي، والتحيز ضد المرأة، والاستبداد.
العنصرية: رسخ القادة البيض في فترة الفصل العنصري فكرة الدونية العقلية للسود وأجبروهم على العيش على أطراف المدن بعيدا عن فرص الوظائف والتعليم، ما رسخ في نفوس السود الإحساس بالعجز وعدم الكفاءة والدونية. لذلك فلابد من الارتقاء بالصورة الذاتية للسود والتعليم والتنشئة الاجتماعية لضمان محو آثار سنوات من الفصل العنصري.
التعصب القبلي: تنفيذا لمبدأ «فرّق تسُد»، ساعد الاستعمار على فصل القبائل في جنوب إفريقيا وزرع الضغائن بينها، وهو ما حاولت حكومة مانديلا أن تقلل منه، من خلال الحرص على العدالة وعدم التمييز بين المجموعات العرقية والقبلية.
التحيز ضد المرأة: يعامل المجتمع في جنوب إفريقيا المرأة على أنها مواطن درجة ثانية وما زالت العادات الوثنية القبلية سائدة هناك ومنها إجبار المرأة على الزواج من أحد أقارب زوجها المتوفى، وإجبار الأخت على الإنجاب من أجل أختها الأكبر العاقر، وقواعد الإرث التي تحرم المرأة من الميراث، والعادات التي تجعل العائلات تستبدل النساء بالماشية والعكس.
الاستبداد: ترجع أسباب الاستبداد في جنوب إفريقيا إلى التراث القبلي الوثني والمجتمع الأبوي والحكم الاستعماري البريطاني والهيمنة السابقة للبوير.