يوم الوطن .. لا يوم العبث
كتبت وكتب غيري أيضا منبهين إلى ظواهر شبابية سلبية بدأت تغزو مجتمعنا خلال السنوات الماضية، وحذرنا من نتائجها السلبية على هوية مجتمعنا وقيمه الدينية والثقافية وأمنه الاجتماعي حاضرا ومستقبلا، إن هي تركت تنمو وتشيع بين الشباب، خاصة دون ضبط وتوجيه وتوعية، ونشوء مثل هذه الظواهر السلبية يعكس جانبا من جوانب ما يعرف بـ ''الغزو الثقافي'' الذي يمكن أن يصيب أي مجتمع حين يكون عرضة للاختراق المنظم والمقصود، أو نتيجة لهشاشته بسبب ضعف سلطة قيمه المختلفة، فيصبح ديدنه التقليد واتباع ثقافات الغير الغالبة، وبعيدا عن نظرية ''المؤامرة'' التي يتحجج بها البعض، لا يمكن فهم أو تفسير شيوع مثل هذه الظواهر، إلا أنها نتيجة لغزو ثقافي بات جليا وظاهرا يتعرض له مجتمعنا من خلال فئة من شبابه.
كثير من هذه الظواهر التي يمكن رصدها توضح ذلك كونها تتعارض تعارضا كاملا مع قيم مجتمعنا الدينية والاجتماعية، منها مثلا شيوع إطالة شعور بعض الشباب وتربيتها وتصفيفها بما يعتبر تشبها بالنساء، وهذه ظاهرة سبق أن تناولتها في مقالة سابقة بعنوان ''تأنيث الشباب''، كون هذه الظاهرة تعدت مداها المقبول لحد إعطاء الشاب مظهرا أنثونيا فعلا، ومنها أيضا تخلي بعضهم عن لباسنا الوطني ''الثوب'' وارتداء بناطيل يوصف بعضها بالمقزز مثل بناطيل ''طيحني'' و''سامحني يا بابا'' كما تسمى تعبيرا عن مخالفتها لكل ما هو مقبول ومعقول لما تعبر عنه من سلوك شاذ، ناهيك عن ممارسات لا أخلاقية وصلت لحد العلنية في الشوارع والمقاهي والأسواق، لا ترى حتى في أكثر المجتمعات انفتاحا، وهذا العبث الذي يمارسه بعض الشباب في الشوارع بقيادتهم الخطرة والمزعجة، بل المخيفة بدون إحساس ذاتي بخطأ وخطورة ما يفعلونه، وعدم خشية من عقاب أو محاسبة.
خطورة مثل هذه الظواهر ونتائجها السلبية برزت واضحة في احتفالات اليوم الوطني التي شهدت في عديد من مدننا تصرفات شبابية منفلتة وصلت لحد وصفها بالشغب والعبث، فالاحتفال بيوم الوطن أول ما يكون في احترام قيمه وهويته والتعبير عنها بالسلوك المتوافق مع ذلك، أما أن يستغل بعض الشباب المناسبة الوطنية فيحولون الأسواق لساحات رقص وغناء ممجوج وبطريقة لا علاقة لها بالوطن بقدر ما لها علاقة بغرائزهم التي أطلقوا لها العنان باسم يومنا الوطني، وسد الطرق بمواكبهم السيارة فعطلوا الحركة وأزعجوا الناس وأقلقوا الأمن، فهذا عبث بالوطن وقيمه وهويته، وليس تعبيرا عن احتفال حقيقي محترم ومنضبط بيوم الوطن، وهذا ما لا نجده في كل دول العالم التي تحتفل بأيامها الوطنية بانضباط مظاهرها: إجازة للجميع وفعاليات رسمية يعبر من خلالها عن الاحتفال والاحتفاء، دون أن يمارسوا خلالها العبث مما لا علاقة له من قريب ولا بعيد بقيم ومعاني اليوم الوطني.
ليس المقصود هنا الحجر على الشباب ومصادرة فرحه في المناسبات السعيدة ومنها الاحتفاء باليوم الوطني، ولكن الحجر يجب أن يكون على نوعية ممارسة الفرح، وهذا الحجر لا بد أن يأخذ في الاعتبار روح الشباب الوثابة وانطلاقته وهو شيء طبيعي ومفهوم، ولكن ما نقصده هو رفض ومنع ممارسات معينة وسلوكيات محددة باتت خصوصا في السنوات الأخيرة محل ملاحظة سلبية لخروجها الكامل عن قيم مجتمعنا المختلفة، ومجتمعنا كغيره من المجتمعات له قيم خاصة به، وهي قيم مرتبط بعضها بالدين، والخروج عليها تحت أي اسم أو ذريعة مثل المطالبة بإعطاء الشباب حريتهم كاملة وعدم إعابة تصرفاتهم مهما كانت شاذة، فيه إضرار بالشباب قبل الوطن والمجتمع، ولهذا وعطفا على ما أصبح شائعا من ممارسات شبابية شاذة وخصوصا في استغلال المناسبات السعيدة مثل الاحتفال بمناسبة اليوم الوطني أو تحقيق انتصارات رياضية بالعبث والخروج على قيم المجتمع سلوك يجب أن يرفض ويمنع، ويتطلب أيضا أن يضبط بإعادة صياغة طرق وسبل التربية الصحيحة أسريا واجتماعيا بدون تزمت من ناحية وبدون انفلات من ناحية أخرى.
أهمية الاهتمام بالشباب وضبط سلوكياتهم وتهذيب ممارساتهم ضرورة قصوى حتى لا ينفلت عقالهم ويتحولوا إلى مشكلة قد تستغل وتوظف فيما فيه ضرر وإضرار ببلدنا ومجتمعنا وقيمنا، فالشباب طاقة يصعب مواجهتها إلا بالانضباط وإتاحة الفرصة لها في إطار منظم، فعلاج مثل هذه الظواهر يحتاج إلى تربية سلوكية تربوية، وحزم في رفض كل ما هو شاذ ومحاربته.