رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أنجلينا جولي وفنانو العرب

خلال شهر رمضان المبارك، وفي خضم أزمة أو بالأحرى كارثة السيول التي اجتاحت باكستان وشردت الملايين من الناس ودمرت آلاف المساكن، وجاءت على الثروة الزراعية التي تشكل عصب الحياة للكثيرين من سكان المناطق التي تعرضت لهذه الكارثة، قامت الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي، إحدى نجمات هوليوود بزيارة لمخيمات المنكوبين والمناطق المنكوبة، وقد لاحظت تحشم لباسها أثناء زيارتها، ومقابلتها المنكوبين، ما يعني استشعاراً منها لأهمية مراعاة ثقافة الآخر وعدم جرح مشاعره، خاصة أنه يمر بظروف صعبة للغاية جراء ما حل به من تشرد وجوع وفقدان المال وربما بعض الأهل، وهذا بلا شك يحسب لها.
وما من شك أن الظهور بالمظهر المحتشم وهي تزور المخيمات يؤكد الحس الإنساني لهذه الممثلة، وهذا من شأنه أن يزيدها احتراماً جراء تصرفها لزيارة المنكوبين والتزامها بالزي الذي يقبلونه بتوجيه من دينهم، ولم تجد غضاضة في ارتداء الملابس الطويلة، وغطاء الرأس رغم أن ثقافة مجتمعها العامة وثقافتها المهنية كممثلة خلاف هذا الشيء. لقد بادرت وتبرعت بـ 100 ألف دولار مساعدة وتضامناً مع المنكوبين وحث المجتمع الدولي على بذل المزيد من التبرعات والوقوف مع الشعب الباكستاني الذي ضربته هذه الكارثة.
عبرت أنجلينا جولي عن مشاعرها بقولها إن ما يتعرض له الشعب الباكستاني يمثل أزمة إنسانية، وكارثة اقتصادية واجتماعية، وهي محقة في هذا التعبير، ذلك أنها وصفت الظرف بالإنساني الذي تغيب معه الفروق بين الناس، والمجتمعات مهما كانت، سواء كانت عرقية أو دينية أو ثقافية أو سياسية، وهي بهذا التعبير ترى ضرورة تجاوز هذه الحواجز والتغلب عليها، لأنه لا مكان للتفكير في هذه الأمور، والناس يعانون البرد والجوع والخوف. كما أنها أزمة اقتصادية لأن الناس فقدوا كـل شيء في حياتهم، ولـم يعد معهم إلا ما يستر عوراتهم، أما ما يسد رمقهم فلا وجود له، ولعل ما نقلته وسائل الإعلام من تدافع لنيل حفنة طعام أكبر دليل على المأزق الاقتصادي الذي حل بالناس جراء السيول.
المشكل الاجتماعي ليس بأقل من سابقه، حيث فقد الناس أحباءهم إما بالموت غرقاً أو جوعاً، أو بضياعهم، وتفرق شمل الأسرة الواحدة حتى أن الوالدين ربما لا يعلمان عن أبنائهما شيئاً، وكذلك الحال بالنسبة للأبناء.
يردد الفنانون عبارة أن الفنانين مرهفو الإحساس، ولديهم مشاعر إنسانية دفينة، وقد تأملت في هذه العبارة محاولاً إسقاطها على الفنانين العرب، وردود فعلهم إزاء هذه الكارثة. من متابعتي للصحافة اليومية، وخلال ذروة الأزمة التي تصادفت مع أيام رمضان المبارك، وأيام عيد الفطر، لم أقرأ أو أسمع من أخبار الفنانين إلا ما يتعلق بحفلاتهم التي أحيوها في بيروت والقاهرة وغيرهما من عواصم الفن، وتساءلت عن مشاعر هؤلاء وأحاسيسهم، وهل تنطبق عليهم العبارة السالفة أم لا؟ ولم أقرأ أو أسمع أن أحداً منهم قام بزيارة المنكوبين أو التبرع لهم.
أنجلينا جولي تقطع آلاف الأميال وتغامر بالذهاب إلى منطقة منكوبة يقطنها أناس لا تربطها بهم أي صلات ثقافية أو دينية عدا الرابطة الإنسانية، بينما فنانو العرب لاهون في إحياء الحفلات، ولم يمنعهم هول الكارثة حتى من تأجيل الحفلات تعاطفاً مع المنكوبين. فرق بين فنان وآخر، واحد يأتي من أقصى العالم ويتبرع، ويدعو للتبرع بينما الآخر يغني ويرقص، وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنه لا تربطه بالمنكوبين أية صلة.
هل فن فناني العرب أمات مشاعرهم وأحاسيسهم، في حين فن أنجلينا جولي دفعها للتعاطف مع هؤلاء؟! وهل أنجلينا جولي تمتلك ثقافة فنية غير تلك التي توجد لدى فناني العرب، أم أن هؤلاء اكتسبوا الفن مجرداً من الثقافة التي تؤطره وتوجهه؟!
ما الذي يمنع فناناً مبدعاً في ريشته أن يقيم معرضاً فنياً يبيع فيه لوحاته ويخصص جزءاً من ريعه للمحتاجين ومنكوبي الفيضانات أو الزلازل أو غيرها؟ وما الذي يمنع شاعراً موهوباً من أن يعقد أمسية شعرية يستثير فيها همم الناس للبذل وأعمال الخير، وإن كان لها دخل يدفع جزءاً منه لذوي الحاجات. إن ما فعلته الفنانة أنجلينا جولي أثبت رهافة الإحساس لديها كفنانة، لكننا نريد أن نرى من فنانينا شيئاً من هذا القبيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي