معادلة «الفيدرالي» الجديدة

تحدث رئيس ''الاحتياطي الأمريكي'' بن برنانكي في مؤتمر في جامعة برنستون، مشيراً إلى أن الأزمة المالية العالمية أثرت في نمو الاقتصاد الأمريكي، حيث إن معدلات النمو أقل مما يتطلع إليه صانعو السياسة الاقتصادية الأمريكية، وذلك على الرغم من كل الجهود التي بذلت لتخفيف هذه الآثار، ومن ذلك قيام ''الاحتياطي الأمريكي'' بعملية شراء السندات بقيمة بلغت 1.7 ترليون دولار، الذي أسهم بشكل كبير في تخفيض أسعار الفائدة. هذه الخطوة التي أقدم عليها ''الاحتياطي الفيدرالي'' إبان تفاقم الأزمة المالية العالمية، أسهمت ـــ حسب برنانكي ـــ في تحفيز الاقتصاد الأمريكي، وتجنيب الاقتصاد العالمي أزمة وتراجعاً أكبر في الإقراض، مما كان سيؤدي إلى آثار عكسية أكبر على الاقتصاد العالمي.
هذا الحديث جاء في أعقاب قرار ''الاحتياطي الفيدرالي'' الإبقاء على سعر الفائدة عند 0.25 في المائة لفترة أطول، مع ملاحظة أن معدلات التضخم ما زالت منخفضة، وهو ما أثار كثيرا من التكهنات حول عزم ''الاحتياطي الفيدرالي'' على شراء مزيد من السندات لدعم الاقتصاد بضخ مزيد من السيولة. وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع أسعار السندات، وبالتالي انخفاض العائد عليها، مما يسهم بشكل كبير في حفز الاقتصاد من خلال أسعار فائدة منخفضة. وهناك شبه إجماع بين المراقبين على أنه بنهاية العام فإن الاحتياطي سيبدأ بعملية شراء السندات، كما يرجح عدد من الاقتصاديين أن تتم هذه العملية بشكل متدرج لتحقيق هدفين. الأول، إعطاء مزيد من الثقة في الاقتصاد، أو إعادة ضبطه بشكل حذر. والثاني، إعطاء الفرصة للتراجع عن هذه الخطوة في حال تحسنت ظروف الاقتصاد.
أسئلة تطرح فيما يتعلق بهذه الخطوة التي ترك ''الفيدرالي'' الباب لها مفتوحاً: كم ستبلغ قيمة هذه العملية، وهل ستقارب سابقتها؟ والثاني، هو أثر هذه الخطوة في توقعات المستثمرين المتعلقة بردة فعل الاحتياطي لمثل هذه الظروف؟ هذه الخطوة التي يطلق عليهاQuantitative Easing 2 أطلقت مفهوماً جديداً يعرف بـ Bernanke Put أو ما يمكن ترجمته إلى أنه خيار بيرنانكي للبيع، المتضمن شراء خيار بيع سندات في وقت لاحق بسعر محدد حالياً. والسبب في ذلك، أن هذه الخطوة أدت ـــ كما أشرت ـــ إلى ارتفاع أسعار السندات حالياً وبالتالي انخفاض العائد عليها. لذلك، فإنه بالحصول على خيار السند بالسعر الحالي (المرتفع)، يستطيع الشخص بيعه في المستقبل عندما ينخفض سعره (وهو المتوقع) بالسعر المشار إليه في الخيار نفسه، بما يمكنه من تحقيق الربح.
وعودة للإجابة عن السؤالين السابقين، فإن بعض المراقبين يتوقع أن تبلغ قيمة عملية QE2 تريليون دولار، بينما البعض الآخر يتوقع ألا تصل إلى هذه القيمة، بسبب أن ''الاحتياطي'' سيتبع طريقة التدرج البطيء فيها، ومن ثم فإن الاقتصاد الأمريكي سيتحسن قبل بلوغ هذه العملية مداها. بالنسبة للإجابة عن السؤال الثاني فهي أكثر تعقيداً، حيث إنه متى ما وضع الاحتياطي الفيدرالي نفسه في مثل هذا الوضع، سيؤدي ذلك إلى أن توقعات المستثمرين تتمحور دائماً حول ردة الفعل نفسها في ظروف مماثلة، مما يجعل ''الفيدرالي'' أسيراً لسياسة الاستجابة المفروضة عليه لإرادة المستثمرين وتوقعاتهم، كي يتجنب حدوث نوع من الضبابية وعدم المصداقية في حال رغب ''الاحتياطي'' في إرسال رسالة أخرى يرغب من المستثمرين تصديقها.
إضافة إلى ذلك، فإن استهداف منحنى العائد Yield Curve لتخفيض سعر الفائدة عن طريق عملية شراء السندات قد يؤدي إلى آثار عكسية في توقعات المستثمرين الأجانب حول سندات الخزانة الأمريكية. حيث قد يؤدي ذلك إلى توقع تراجع سعر الدولار، وبالتالي سيكون من المنطقي قيام هؤلاء المستثمرين ببيع حيازاتهم من هذه السندات، وهو ما سيؤثر في منحنى العائد بشكل معاكس لما يستهدفه ''الاحتياطي الفيدرالي''. حيث ستؤدي عمليات البيع إلى انخفاض أسعار السندات ومن ثم زيادة معدل العائد عليها، وبالتالي سيجد كثير من المستثمرين في الولايات المتحدة وهم في معظمهم من المؤسسات الاستثمارية والبنوك التجارية أنه من المغري الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية لارتفاع العائد عليها بدلاً من الدخوا في استثمارات حقيقية، وهو ما لا يرغب فيه ''الاحتياطي الفيدرالي'' لأنه لن يؤدي إلى تراجع معدلات البطالة.
في الشرق الأوسط، وفي منطقة الخليج بالذات، سيكون لهذه السياسة ـــ إن اتبعت ـــ آثار غير مباشرة، سواءً على الصادرات والواردات، أو على الأسعار، أو على أسواق الأسهم. كذلك، يتوقع أن تؤدي هذه السياسة إلى التأثير في أسعار النفط والذهب، حيث إن انخفاض سعر صرف الدولار سيعوض بارتفاع سعر النفط والذهب، وهو ما نشهده حالياً خصوصاً في أسواق الذهب، حيث ارتفعت أسعاره بشكل كبير. وبالطبع فإن ارتفاع سعر النفط سيؤدي إلى تحسن أوضاع الموازنات الحكومية وارتفاع (انخفاض) الفائض (العجز) في موازنات دول الخليج العربي. أما الأسواق المالية في الخليج، فاستجابتها تعتمد بشكل كبير على التوازن بين جانب المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي ـــ خصوصاً الاقتصاد الأمريكي ـــ الذي تنطوي عليه هذه السياسة، وجانب التحسن في موازنات الدول الذي أشرت إليه. وأخيراً، لا ننسى أن هذه السياسة ستؤدي في النهاية إلى ضغوط تضخمية في دول المنطقة، بسبب أنها تستهدف في الأساس تحفيز معدلات التضخم المنخفضة في الولايات المتحدة بسبب تراجع النشاط الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي