المرأة الكائن الخطيئة
من المؤلم جداً النظرة السلبية التي ينظر بها المجتمع أو جُله للمرأة، تحدثت سابقا عن ما يعرف بالـ Stereotype التي يمكن ترجمتها على أنها المعتقدات الخاطئة والتي تمتلئ بها حياتنا وممارساتنا وهي ممارسات بنيت على سلوك خاطئ أو معارف قاصرة تقيم الأمور من زاوية وحيدة. محفزي لكتابة هذا المقال هو ما أراه من ممارسات تجاوزت السلبية، وتفتعل باسم الدين والأعراف تمارس في حق المرأة. هذه الممارسات عطلت النصف الأغلب من المجتمع عن التمتع بحياته بأريحية وحرية، كما كفلها الدين الإسلامي. كما ساهمت في جعل المرأة عبئا ثقيلا على الأسرة منذ القدم، فكانت في العصور الغابرة توأد في التراب ليتخلص وليها من هذه القيود والأعراف التي فرضها المجتمع بتخلفه وجهله.
المرأة في بعض الدول الإسلامية تتمتع باستقلالية تمكنها من العيش والاعتماد على نفسها في قضاء أمورها دون اللجوء إلى الرجل. وهذا يمنحها فرصة أكبر لتكون معطاءة وتتفاعل مع مجتمعها وخصوصيتها في الحدود التي تكفلها لها الشريعة الإسلامية.
في أحد المنتديات المحافظة مررت بقصة تمزق القلب وهي غيض من فيض ترفل بها منتديات ومجتمعات بأسرها، فوجود المرأة في هذه المنتديات أو المواقع الإلكترونية أصبح يشكل عبئا ثقيلا عليها، فهي لا تملك الحد الأدنى من الحريات التي تسمح لها بالمشاركة أو التعبير عن آرائها. لأن النظرة القاصرة التي يُنظر بها للمرأة لا تسمح لها بالتواجد على خريطة المجتمع. أعود للقصة التي روتها صاحبتها حين أشارت إلى أنها تشارك في منتدى حواري عام يشترك فيه الذكور والإناث، ولكن لسوء حظها فقد وصلت بياناتها التعريفية لأنياب أحد الذئاب الحيوانية في صورة بشرية، وبدأ يستفزها ويهددها بنشر بياناتها وكشف شخصيتها للعلن. انتهت القصة ولكن الألم الذي صنعته هذه الحادثة سيستمر ما استمرت الحياة، وكم من قصة مشابهة، في ظل تهاون أو غياب الوعي الاجتماعي والتشريعي الذي يضمن للمرأة حقها الطبيعي كما رسمه لها المولى عز وجل، أو كما تتمتع به نظيراتها في العالم المتقدم.
في المجتمعات المتخلفة ينظر للمرأة على أنها مبدأ الخطيئة التي أخرجت آدم من الجنة، وتستمر هذه النظرة القاصرة إلى زماننا هذا فينظر لها على أنها كائن دون الرجل بمراحل، لا تستحق من الحريات والحقوق ما يناله شقيقها. ونتيجة لهذه النظرة الدونية أصبحت الرؤية للمرأة على أنها صيد غير مرهق يستمتع به الذكر والذي يفتقد أدني متطلبات الرجولة والكرامة الإنسانية.
امتدت هذه النظرة الدونية حتى للعمالة الوافدة التي دلفت إلينا من كل حدب وصوب وأصبحت تتبنى هذه النظرة الذكورية الاستعلائية، وتتعامل مع المرأة على هذا الأساس إلا من رحم ربي. لهذا نرى كثيرا من النساء غير راضيات عن واقعهن ويبحثن عن التغيير في كل مكان، والتغيير يجب أن يبدأ من المنزل والتربية من خلال تصحيح النظرة للمرأة على أنها إنسان كامل الأهلية ينافس الرجل أو يتفوق عليه في كثير من الأحيان.
يتبادر إلى الذهن تساؤل أين مكمن الخلل، هل الدين يتحمل تعاظم هذه النظرة الخاطئة أم أنها الأعراف التي تتغلب على تعاليم الدين في بعض الحالات. والإجابة المنطقية هي أن الدين الإسلامي كفل للمرأة كامل حقوقها، ورفع من شأنها وأكرمها. لكن من يقتدي بالدين في المعاملات؟
لقد أفسدت كثير من العادات والأعراف أو أخفت ما جاء به الدين من تعاليم توفر الحياة والحرية للمرأة لتكون عضوا فاعلا في المجتمع، يعتمد على قدراته في تدبر أمور حياته. ويبقى النظام السائد في المجتمع هو المحدد الذي يحافظ على هذه الممارسات الظالمة. وحتى يتبدل هذا النظام فالمجتمع بحاجة إلى تقبل المرأة كإنسان بكامل الحقوق والحريات، لا كمصدر للخطيئة وأداة للتمتع.