في ذكرى الـ 80 سنة .. المنعطف المهم

تمر على المجتمعات مناسبات وأحداث عبر تاريخها تمثل منعطفاً مهماً وأساسياً في تاريخها، وفي الغالب تؤرخ المجتمعات لهذه المناسبات والأحداث لتكون جزءاً مميزاً في تاريخها، فعلى سبيل المثال التاريخ الهجري حين اقترحه عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ جاء ليميز حدثاً مميزا في تاريخ الأمة الإسلامية حين هاجر المسلمون من مكة هرباً بدينهم عندما واجهوا اضطهاد كفار قريش. كما أن استقلال بعض الدول وتحررها من الاحتلال يمثل حدثاً مهماً لكثير من الدول، والأمم تعتمد يومه عطلة لتأكد قيمة الاستقلال والتحرر. إن اتحاد المجتمع ولم شتاته في كيان واحد بدل الفرقة والتناحر يمثل حدثاً مهماً ونجاحاً مميزاً تسعى إليه المجتمعات التي ابتليت بمثل هذا الوضع.
بلادنا الكريمة احتفلت يوم الخميس الموافق 14/10/1431 بذكرى توحيدها قبل 80 عاماً، وما من شك في أن هذا الحدث شكل منعطفاً مهماً وأساسياً في تاريخها، إذ بهذا الحدث اجتمعت القلوب وحلت الوحدة محل الفرقة، وساد الأمن والاطمئنان بدل التناحر والحروب التي سادت البلاد بين القبائل والمناطق، بل بين القرى. المناسبة في نظري، وفي أي مجتمع وجدت، يفترض ألا تقتصر على الاحتفال والفرحة رغم أهمية ذلك، لكن لا بد أن تكون فرصة لمراجعة الذات الفردية والجماعية، مراجعة موضوعية صادقة يتم من خلالها معرفة الإيجابيات والسلبيات، وتحديد الحقوق والواجبات. نظرة تستعيد الحدث التاريخي ومعرفة أثره في الحاضر، وفي الوقت نفسه ما يجب أن يكون في المستقبل، التأمل في الماضي، لكن الاستغراق فيه والتوقف عنده يضر، بل قد يكون مميتاً، لأنه يشعر الفرد أو الأمة بأن ما تحقق هو منتهى الأمر، وغاية المنتهى، ولا يمكن الزيادة عليه، وهذا الشعور أو الاعتقاد ينطبق عليه المثل القائل ''ليس بالإمكان أفضل مما كان''، وفي يقيني أن هذا المثل من الأمثلة المثبطة والقاتلة للطموح، حيث يرى المرء أن ما أنجزه كافٍ ولا حاجة إلى بذل الجهد لمزيد من الإنجازات.
المجتمعات تنمو وتتطور، وهذه سنة الحياة، ومن دون هذا النمو تتوقف الحياة، وإن لم تتوقف تذبل، ولا يكون لها طعم أو قيمة. ولذا عند تأملي في مناسبة مرور 80 عاماً على توحيد المملكة تداعت إلى ذهني بعض التساؤلات منها: ما واجبنا نحن أبناء المجتمع إزاء هذا الإنجاز؟ وكيف لنا أن نحقق الواجب؟ التنمية بمجالاتها كافة: الاقتصادية، التربوية والتدريبية، الثقافية، والاجتماعية، تتطلب تضافر الجهود من قبل الأفراد والهيئات والجهات الحكومية لمعرفة أفضل الطرق والأساليب، التي تسهم في استمرار وتيرة النمو والقوة. على سبيل المثال الموارد الطبيعية من ماء وثروات بترولية ومعدنية ما واجبنا تجاهها؟ وكيف نحافظ عليها؟ الرياض العاصمة سميت هذا الاسم لأنها كانت كما تقول المصادر قبل ثلاثة قرون رياضاً غناء تتفجر فيها العيون والينابيع، ومثلها الخرج، الأحساء، والقصيم، لكن كل هذه المناطق فقدت هذه الميزة، وربما مناطق أخرى فقدتها أو ستفقدها. الماء العنصر الضروري للحياة والذي لا حياة من دونه. كيف ننمي الثروة الوطنية المائية، وكيف نحافظ على ما تبقى منها؟ من يرى شوارعنا يدرك أننا شعب لا مبال لما يراه من مياه تجري كالأنهار، ويدرك أيضاً أننا لا نحسب حساباً للمستقبل وكأننا في مأمن من تقلبات الدهر.
البترول والمعادن التي ننزف منها كميات هائلة لا شك أن الأجيال القادمة لن ترحمنا إن أسرفنا فيها، وأنتجنا أكثر من احتياجاتنا. المال العام والممتلكات العامة كيف نتعامل معها، وهل نحافظ عليها، أم أننا نسرف في تعاملنا مع المال العام؟ كما أن السلوك الظاهر الذي لا يمكن إخفاؤه يؤكد عدم الاكتراث في التعامل مع الممتلكات العامة من حدائق، شوارع، إنارة، وإشارات ضوئية، حتى إن المرء ليخيل إليه أننا مجتمع له خصومة مع هذه الأشياء. بيئتنا بما فيها من جبال ورمال وأشجار، أو غابات في بعض المناطق، وحيوانات برية، لها حق على كل مواطن أو مقيم بحيث يقتضي الأمر العناية بها، أو على أقل تقدير عدم تعمد الإضرار بها.توقفت، وأنا أتأمل في هذه المناسبة عند مشاريعنا، كيف تنفذ؟ وكم تكلف؟ فألفيت أن بعض المشاريع يسند تنفيذها إلى شركات ومؤسسات تفتقد الأهلية لتنفيذ المشاريع، وهذا يترتب عليه هدر كبير في المال والجهد وإيذاء لا حدود له للمواطن نظراً لقلة خبرة الجهات المنفذة، أو لا مبالاتها في مراعاة الشروط والأنظمة مع غياب الجهات الرقابية. كما أن تكلفة تنفيذ بعض المشاريع لافتة للانتباه، حيث يلمس المرء المبالغة في قيمة التكلفة، في حين أن المشروع قد ينفذ في مكان آخر بسعر أقل.
للإجابة عن سؤال: ما واجبنا إزاء هذا المنجز؟ وكيف نحافظ عليه؟ أعتقد أن الأمر يتطلب بادئ الأمر إدراك النعمة والشكر عليها استجابة لقوله تعالى ''ولئن شكرتم لأزيدنكم''، فإدراك قيمة الإنجاز يقود لما بعده من خطوات وإجراءات، ولذا فالخطوة اللاحقة السعي إلى إيجاد ثقافة اجتماعية تحترم المنجز وتقدره، كما أن المحافظة على المنجز تتطلب إيجاد الضوابط والإجراءات الكفيلة بجعل كل مواطن يشعر بوطنيته، ومشاركته في البناء حتى لا يشعر بأنه مهمش. إن مما يصب في هذا الجانب محاربة الفقر ومحاربة البطالة من خلال برامج التأهيل والتدريب، التي تمكن الجميع من أن يكونوا أعضاء نافعين لمجتمعهم مشاركين في بنائه.
إن فرض النظام والقانون على الجميع وشعورهم بأنهم سواسية يزيدان من حافز المحافظة على هذا المنجز .. فهل نسعى جميعاً، كل من خلال مجاله ومسؤوليته، إلى تحقيق متطلبات المحافظة على إنجاز الوحدة الذي صنعه الآباء؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي