مع انطلاقة العام الدراسي .. هل المعرفة قوة؟
أهداني مشكوراً أستاذنا المخضرم في الساحة الإعلامية والثقافية الدكتور فهد العرابي الحارثي نسخة من كتابه الجديد الموسوم ''المعرفة قوة .. والحرية أيضاً'' الذي حين قرأت مقدمته وبعض محتوياته وتصفحت فصوله (ولم أقرأها بعد فهو كتاب يقع في أكثر من ستمائة صفحة) وجدت مناسبة المحتوى والمعنى ومضامين الرسالة في هذا الكتاب مع انطلاقة العام الدراسي الجديد (1431هـ / 1432هـ).
إنني لن أستعرض هذا الكتاب المميز سواء بنقد أو تمجيد، فذلك شأن متروك لأصحاب الحرفة من لدات المؤلف الدكتور الحارثي الذي أدرك تمرسه في هذا المضمار من خلال عمله الإعلامي المديد، لكنني سأنتقي بعضا من المفاهيم والرسائل التي وردت في هذا العمل العلمي والثقافي الرائع بما يتلاءم وموضوع هذه الأسطر المتواضعة والشأن الاقتصادي بالذات. إن المعرفة والعلوم بلا شك محور الريادة الاقتصادية والتنمية المستدامة التي لا يختلف اثنان على أن أمة دون عِلم هي أمة ستقبع في ذيل المؤخرة وستكون تابعة لغيرها ممن سبقتها في صنوف العلوم. ولذا فشراء المعرفة مثلما هو حاصل في العالم العربي في التاريخ الحديث، بتصور الكتاب، هو تحضُّر مزيّف، إذ إن وهم التحضُّر هذا لم تصنعه أيدي القوى البشرية المحلية وسواعدها. كما يضيف المؤلف ''أن العرب وعلى الرغم من غزارة ثرواتهم إلا أن مجتمعاتهم تعاني أرذل وأسوأ أنواع الفقر؛ لأنه فقر القادرين على الثراء، فيما لو قدر لهم أن يبنوا تصورا أكثر صلابة للمستقبل.. المستقبل المبني على العلم والمعرفة. فالناس الذين يعيشون تحت خط الفقر هم أولئك الذين تكون نشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية محدودة بفضل عدم التأهيل لمجالات الإنتاج. وإضافة إلى الفقر، فإن من المشكلات المتصلة بوجود العرب أنهم على غزارة تراثهم الثقافي والإبداعي عملوا دائما على تقزيم ''الحرية'' وشيطنتها وأبلستها فحكموا على عقولهم بالسكون والتشرذم والجمود والركود ...''.
ويمتد الحديث من جوانب وزوايا عديدة ''في ثلاثة عشر فصلاً'' حول ذلك سواء فيما يختص بالموارد الطبيعية وكيف يحوّلها الإنسان إلى ما يسهم في تطوير الحياة وأنماطها للإنسان أو فيما يختص بالمعرفة ومستوياتها في العالم العربي ومسارات المنافسة بشكل عام في نظرة شمولية أحياناً وتفصيلية أحياناً أخرى. ولا شك أن مناقشة محاور الكتاب تطول جداً غير أن مناسبة بدء العام الدراسي وربط ذلك بالجزئية التي أوردها المؤلف من تشخيص للمشاكل التي تعانيها أنظمة التعليم عامة في العالم العربي تجعلنا نستوقف أنفسنا دون تشنج وليس بموقف جلد الذات. فمن غياب للإحصاءات الدقيقة وتغييب الاهتمام بالبحث العلمي إلى عدم تواؤم بين التأهيل وسوق العمل إلى تدني في البيئة التعليمية حسياً ومعنوياً وغير ذلك من عناوين لمواضيع محورية تتطلب كل جزئية منها بحثاً بذاته.
وبالنسبة لنا محليا فلا شك أن حكومتنا الرشيدة منذ توحيد المملكة وقيامها كدولة لها بصمتها في الخريطة الاقتصادية بالذات أدركت وتدرك أهمية التعليم والمعرفة وقد رصدت لها موازنات هائلة، ولكن الترجمة لهذه الموازنات لم تظهر على الواقع بما يتلاءم وهذا الحشد المالي. فللأسف هناك تباين واضح في أداء المؤسسات التعليمية ومخرجاتها وهزالة في نتاج بعض الكيانات البحثية العلمية أو ربما استئثار قطاع على آخر في ظل عدم ترتيب جيد للأولويات فيها. وبالتالي ما لم توضع حلول جدية فسنبقى مرتهنين بأوضاع السوق في شراء المعرفة طمعا في التحضر ومقارعة المنافسة الدولية.