رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاقتصاد العالمي وعهد التراجع عن التعهدات (2)

أستكمل هنا ما بدأته في مقال الأسبوع الماضي, والتساؤلات التي طرحتها حول ما إذا كان هناك تراجع في الالتزام بالتعهدات التي التزمت بها الدول إبان الأزمة المالية, حيث كان هناك إجماع على أهمية التنسيق والتشاور والعمل الجماعي بين الدول لانتشال الاقتصاد العالمي فهذا الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي يشير في مقال نشر له في صحيفة ''واشنطن بوست'' في الأول من نيسان (أبريل) عام 2009, وقبل بدء قمة مجموعة العشرين في لندن, إلى الجهود التي بذلها لحشد دول مجموعة العشرين للتعامل بشكل منسق وجماعي مع الأزمة المالية, مشيرا إلى ''... إنه منذ بدء الأزمة, أكد أن التنسيق في مواجهة أزمة بهذا الحجم ضرورة وليس خياراً'' ومستمرا في عرض أولوياته وهو ''فعل أي شيء لضمان نمو الاقتصاد العالمي''. جوردون براون الذي استضافت بلاده قمة لندن الشهيرة التي عقدت في الثاني من نيسان (أبريل) 2009, يؤكد أمام الكونجرس الأمريكي ما يلي: ''.. لم تكن فوائد التعاون والتنسيق أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن ..'', ويستمر ''.. دعونا نتأمل عندما يتم حشد جهودنا معاً ماذا سينتج عنها, نتيجة بالطبع أكبر من جهودنا الفردية ...''. كلمات كانت كلها تؤكد أهمية التنسيق بين دول العالم لمواجهة الأزمة المالية .. فما الذي حدث وجعل الجهود تنقسم؟
بدأ هذا الانقسام بالتحديد ــ كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي ــ بعد الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي للتعهد بتوفير ما قيمته تريليون دولار لمواجهة إفلاس أي من دول الاتحاد الأوروبي التي تعاني مشكلات كبيرة في المديونية العامة. ومنذ ذلك الوقت بالتحديد, أصبح الاتحاد الأوروبي يضع أولوية كبيرة لعملية التسوية المالية في حين أن التعافي الاقتصادي العالمي لم يكتمل بعد, وهذا ما جعل الولايات المتحدة تحذر من هذا التوجه في حين أشار رئيس البنك المركزي الأوروبي في حزيران (يونيو) الماضي إلى أهمية التقشف المالي في الدول الصناعية لتعزيز الثقة بين المستثمرين, أكد في الوقت نفسه وزير الخزانة الأمريكي تيموثي قايثنر أنه من غير المنطقي أن يستمر الاقتصاد العالمي معتمداً على إنفاق المستهلك الأمريكي لحفز النمو العالمي, وحث الدول الأخرى على تعزيز طلبهم المحلي. وعلى الرغم من أن الأوروبيين التزموا كغيرهم بعدم سحب عمليات التحفيز المالي حتى يتم التأكد من استكمال التعافي الاقتصادي العالمي, إلا أنهم مضوا في ذلك .. فماذا كانت النتيجة؟
آثار التقشف المالي المبكر تبدو ظاهرة الآن في الاقتصاد العالمي, حيث تراجع النمو الاقتصادي في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم فقد أظهرت توقعات النمو في بريطانيا تراجعاً إلى مستوى 2 في المائة خلال العام المقبل بعد أن كانت توقعات هيئة الإحصاءات البريطانية خلال حزيران (يونيو) الماضي تشير إلى نمو قدره 2.5 في المائة. كما أشارت التوقعات نفسها إلى أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة عند مستوى 0.5 في المائة حتى منتصف عام 2011. الأسبوع الماضي أيضاً, بات من الواضح أن الاقتصاد العالمي يواجه مخاطر تباطؤ شديد في التعافي الاقتصادي ظهرت بوادره في تقرير الاحتياطي الأمريكي, الذي أكد الإبقاء على أسعار الفائدة وقلقه من تراجع معدلات التضخم, إضافة إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني من هذا العام إلى معدل 1.6 في المائة بعد أن بلغ 3.7 في المائة خلال الربع الأول. في المقابل أعلنت ألمانيا التي تعد المحرك الرئيس للنمو في أوروبا نمواً قدره 2.2 في المائة خلال الربع الثاني من هذا العام, مدعوماً بشكل كبير بانخفاض سعر صرف اليورو, الذي أسهم بشكل كبير في حفز صادراتها.
ما النتيجة لتراجع مستوى التنسيق وتغليب المصالح الوطنية على المصلحة الجماعية المتمثلة في نمو الاقتصاد العالمي المعزز ببطالة منخفضة وإنتاجية عالية ومعدلات تضخم مقبولة؟ النتيجة هي الدخول في حرب تجارية, لأن كل دولة ستسعى إلى دعم مصادر النمو لديها من خلال الصادرات, كما تفعل الصين وألمانيا حالياً, وستظهر إثر ذلك بوادر حمائية تجارية وتخفيض مصطنع لأسعار صرف العملات لتعزيز تنافسية الصادرات. وأولى بوادر ذلك ما ذهبت إليه اليابان الأسبوع الماضي بقرار لا يتفق مع التنسيق الجماعي لمواجهة الأزمة, ويركز فقط على المصالح الوطنية, حيث أعلن البنك المركزي الياباني التدخل في أسواق العملات لوقف الارتفاع الكبير في سعر صرف الين مقابل الدولار، وهو ما يؤثر بشكل كبير في الصادرات اليابانية. مظهر جديد من مظاهر الخروج على التنسيق العالمي في مواجهة الأزمة ما يشعل فتيل التنافس بين الدول على اتخاذ سياسة محفزة للصادرات دون النظر إلى آثار ذلك في الاقتصاد العالمي. الغريب أن مظاهر الخروج على التنسيق والتعاون العالمي لم تبدأ من الدول النامية, لكنها بدأت من الدول المتقدمة التي كانت تعطي دروساً, كما أشرت في بداية هذا المقال إلى أهمية التنسيق والتعاون على المستوى الدولي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي