«كارتر» أطلق حميدان
اطلعت على الفيلم الذي فضل القائمون عليه تسميته بـ ''أوباما أطلق حميدان''، والذي بدأ نسج خيوطه الكاتب في هذه الصحيفة الغراء أستاذنا الكبير نجيب بن عبد الرحمن الزامل. ويتضح مضمون الفيلم من عنوانه فهو عبارة عن رسالة موجهة للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما يطالبه بإطلاق سراح المواطن السعودي المعتقل في السجون الأمريكية حميدان التركي.
وهناك أشياء عدة يمكن التحدث عنها بخصوص هذا الفيلم، إلا أنني سأتطرق إلى نقطتين أراهما من وجهة نظري جديرتين بالوقوف عندهما. من أبرز مناقب الفيلم التوثيقي الداعية الدكتور سلمان العودة والشيخ حسن الصفار يقفان صفا واحدا في قضية وطنية تمس أحد أبنائنا. إن ما شد انتباهي وأثلج صدري ظهور هذا الوفاق الوطني الفريد في مجتمع نجد .. فيه من يغذى الفرقة ويحارب الوحدة ويدعي أنه الوصي على البلاد والعباد. ها هو الشيخ المتألق دائما سلمان العودة والشيخ المفوه حسن الصفار يقفان في خندق واحد من أجل قضية وطنية لمواطن سعودي، وهذه تمثل صورة معبرة للحمة الوطنية وتبين أن مجتمعنا بدأ يدرك أهمية التعايش وقبول الاختلاف. وإن كان يعز علينا أن يكون أحد أبنائنا المبتعثين يقضى أجمل سني عمره في غياهب سجون دولة نراها صديقة إلا أن من أبرز نتائجها ظهور الترابط الوطني واللحمة الاجتماعية فنحن نعرف أنها لن تحقق تنمية، ولن تقوم لأي دولة قائمة وتدخل مضمار السباق بين الأمم من دون الوحدة الوطنية التي يحاول أعداء النجاح والتنمية وأصحاب المصالحة الشخصية اصطناعها من وقت إلى آخر.
أما النقطة الثانية التي أريد أن ألقى الضوء عليها أن الفيلم موجه لـ ''أوباما'' وكأنا نود دخول شخصيات أخرى ذائعة الصيت في مجال الدبلوماسية والتفاوض الدولي ومن أبرزهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كاتر. من حسن الصدف أن ''كارتر'' قام بالتفاوض مع كوريا الشمالية قبل ثلاثة أسابيع تقريبا لإطلاق سراح مواطنه إيخالون ماهلي غومير الذي حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثماني سنوات لاجتيازه الحدود الكورية الشمالية مع الصين بشكل غير قانوني، إلا أنه تم الإفراج عنه بعد أن مكث في السجن ثمانية أشهر بتدخل من الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
وهذه ليست المحاولة الوحيدة للرئيس كارتر، فهو متمرس على أساسيات التفاوض، ومقدرته في الوصول إلى حل وسط يشعر الطرف الآخر بأنه قد خرج رابحا، وله في ذلك صولات وجولات. فهو المهندس الحقيقي للإفراج عن بعض موظفي الخارجية الأمريكية في سفارة أمريكا في طهران إبان الصراع الإيراني ـــ الأمريكي في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، عندما استخدم عقليته التفاوضية ودهاءه السياسي فقام بإيهام الزعيم الإيراني آية الله خميني بأنه هو (أي كارتر) الحضن الرؤوم والأم الحنون، ولكن سيأتي إلى كرسي الرئاسة في كانون الثاني (يناير) المقبل رجل شرير يدعى ''ريجان'' لا يعرف الرحمة أو الشفقة بل العنف الذي اكتسبه من تمثيله أفلام رعاة البقر القدامى. أما نائبه فهو جورج بوش رئيس المخابرات وماذا تنتظر من رجل مخابرات، ووزير الخارجية الكسندر هيج صاحب القرارات الصبيانية، وهذه الزمرة مجموعة من المجانين لا يعرفون شيئا عن السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية بل القوة والخراب والتدمير. وقد أوعز للخميني من طرف خفي أنه إذا أراد السلام لبلاده فليطلق صراح الرهائن. وبالفعل تم إطلاق صراحهم صبيحة يوم دخول ''ريجان'' البيت الأبيض، مما جعل البعض يظن أن ''ريجان'' هو الذي فعل هذا، ولكن من يعرف كيف سارت الأمور يجد أن ''كارتر'' استثمر الأوضاع السياسية لتلك الحقبة وعبقريته التفاوضية وخطط لهذه النهاية الموفقة.
وفي عام 1994 اُستدعى جيمي كارتر كي يقوم بدوره التفاوضي لحمل زعيم هاييتي الجنرال سيدراس على التنازل عن السلطة دون قتال. فقد ذهب بصحبة كولين باول، وبينما كان باول يشير إلى القوة العسكرية المسلطة على ''سيدراس'' كان كارتر يواسى الزعيم ويطرح عليه البدائل لإنهاء الأزمة حتى أنه اقترح عليه أن يأتي للإقامة في بلنس في جورجيا.
إذا كارتر ليس رجل عادي فهو يمتلك قدرات وخبرات هائلة في هذا المجال والوصول إليه أسهل بكثير من الوصول إلى أوباما، وكنت أريد من الذين قاموا بإنتاج وتسويق فيلم ''أوباما أطلق حميدان'' أن يدخلوا بعض الشخصيات الأمريكية البارزة والمحبة للسلام وفي طليعتهم في رأيي جيمي كارتر فهو الأقدر والأصلح والأجدر بمهمة كهذه، وحبذا لو تم تذكيره بآخر نجاحاته، التي تعد مشابهة لقضية حميدان، وهي إطلاق صراح مواطنه ''غوميز'' (أستاذ الإنجليزية ـــ 30 عاما) من يد عدوة أمريكا الأولى كوريا الشمالية، وكيف ابتهجت أسرته وذووه والشعب الأمريكي بهذا الإنجاز الدبلوماسي الباهر. وكارتر ليس الرجل الوحيد الذي يجيد الدبلوماسية والتفاوض فهناك مجموعة من الرجال المتمرسين ومن أشهرهم هنري كسنجر وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس ريتشارد نكسون، وهنا لا أتكلم عن يهوديته التي صرح بها في أكثر من محفل، بل عن خبراته في مجال التفاوض الدولي. وجيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس بوش الأب وروجر دواسون الذي يعد أحد أهم الخبراء في هذا المجال وأحد الذين حصلوا على أكبر جائزتين بهذا الخصوص.
وعندما نذكر هذه الأسماء فإن هذا لا يعنى خلو بلادنا من الكفاءات السياسية والدبلوماسية، فأنا متأكد أن بيننا من يجيد مثل هذه المهارات إلا أن مؤهلاتهم وإنجازاتهم غير موثقة أو أنها موجودة ولم أطلع عليها ولكن من يجد في نفسه القدرة على إجادة مثل هذا الفن أن يتعاون في إطلاق ابننا حميدان التركي وستقدر الجهات المعنية والشعب السعودي صنيعهم، والأهم من كل هذا وذاك هو الأجر من الله ـــ سبحانه وتعالى.
أسأل الله العلي القدير أن يفك أسر حميدان ويعيده إلى أبنائه وأهله ووطنه وأن يثمن هذه الجهود على كل المستويات الظاهرة منها والباطنة.