رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كساد عقارات الأعمال واستدامتها .. الرياض أنموذجا

من الملاحظات للمشاهد للنهضة العمرانية التي تشهدها مدينة الرياض في الوقت الراهن التوسع في إنشاء مجمعات، وأبراج أعمال واقتصاد مختلفة الأنواع، والأحجام، والتوزيع الجغرافي. نهضة عمرانية تبشّر بنهضة اقتصادية وتطرح تساؤلا في الوقت ذاته عن تنافسية سوق العقار في مدينة الرياض واستدامته في توفير وحدات أعمال واقتصاد بمواصفات تتناسب والطلب المتوقع عليها في المستقبل القريب.
الدافع خلف هذا التساؤل تجارب مجموعة من عواصم دول العالم في نهضتها العمرانية الموجهة لقطاع الأعمال والاقتصاد وأهم المكاسب المحققة ومثيلاتها التحديات الظاهرة. تجارب إنشائية مختلفة من الأهمية بمكان الإطلاع عليها والتعرف على تفاصيلها والاستفادة منها بما يضمن، بعون الله تعالى، تفادي التحديات وبلوغ الآفاق.
من هذه التجارب تجربة العاصمة التايلندية بانكوك خلال منتصف التسعينيات الميلادية من القرن الماضي في التوسع السريع في إعمار مجمعات وأبراج أعمال واقتصاد لتلبية الطلب المتزايد عليها إبان الطفرة الاقتصادية التايلاندية مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
شهدت تايلاند خلال الفترة من 1985 إلى 1995 طفرة اقتصادية عمت بنفعها معظم جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية عندما سجل الاقتصاد التايلاندي معدل نمو سنوي بمقدار 8.4 في المائة، وبقي معدل البطالة دون مستوى 5 في المائة.
عزيت أسباب الطفرة الاقتصادية في المقام الأول إلى الصادرات التايلاندية عندما سجلت معدل نمو سنوي قرابة 16 في المائة خلال الفترة من 1990 إلى 1996. انعكس نمو الصادرات التايلاندية بالإيجاب على حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد التايلاندي. وأسهم هذا النمو في زيادة الطلب على المباني التجارية، والسكنية، وملحقاتها من إنشاءات الإمداد، والتموين، والبنى التحتية المختلفة.
أسهمت هذه التطورات في زيادة حدة الطلب على العقارات بشكل كبير وغير مسبوق. وشجعت هذه التطورات كلا من شركات الإنشاءات على التوسع في عمليات تطوير الأراضي الخام وإنشاء المباني التجارية والسكنية، والمصارف والشركات الاستثمارية على توفير منتجات وخدمات تمويلية عقارية مختلفة.
لنا وقفة هنا مع طبيعة المباني التجارية والسكنية التي أنشئت في تلك الفترة. تميزت تلك المباني باعتمادها على مواد بناء مستوردة من الأسواق الأوروبية، الأمريكية، واليابانية بهدف التوافق مع مواصفات البناء العالمية، وصنع عامل جذب للشركات الأجنبية المستثمرة في الاقتصاد التايلاندي.
بدأت الطفرة الاقتصادية تحد من فورتها عام 1996 متأثرة بأزمة الأسواق المالية الآسيوية، رامية بظلالها على نمو قطاع العقارات التايلاندي. فزاد مستوى العرض من الوحدات التجارية والسكنية إلى أن حقق اكتفاء حتى بداية العقد الحالي.
امتدت ظلال نهاية الطفرة الاقتصادية إلى مواد البناء المستوردة من الأسواق الأوروبية، الأمريكية، واليابانية فتكدست هذه المواد في مستودعات شركات الإنشاءات التايلاندية بسبب تباطؤ نمو قطاع الإنشاءات.
سبب تكدس هذه المواد ضغطا على مستوى الحساب الجاري لميزان المدفوعات التايلاندي حتى نقله من حالة فائض إلى حالة عجز بمقدار 8.1 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي.
بدأت الأزمة في الظهور على السطح في شباط (فبراير) 1997، عندما أعلنت شركة سمبراسونلان، كبرى شركات الإنشاءات التايلاندية المدرجة في السوق المالية التايلاندية، عجزها عن سداد ديونها من المصارف التايلاندية بسبب الركود الاقتصادي.
تزامنت تلك الفترة مع مرور السوق المالية التايلاندية بمرحلة نقاهة بعد انخفاض قيمتها السوقية منتصف 1996م قرابة 45 في المائة. لم يكن إعلان ''سمبراسونلان'' سوى بداية إشهار إفلاسها. توالت عمليات إشهار إفلاس مجموعة من شركات الإنشاءات التايلاندية بالمسببات والآليات نفسها.
لم تكن المصارف وشركات التمويل العقاري التايلاندية بمنأى عن هذه الأزمة. من الأمثلة على هذه المنشآت المالية شركة فاينانسون، أكبر مؤسسة مالية تايلاندية في تلك الفترة.
تميزت ''فاينانسون'' قبل الأزمة بطرحها منتجا تمويلا عقاريا فريدا من نوعه في السوق التايلاندية عبارة عن سندات بالدولار الأمريكي تعتمد على التباين في سعر الفائدة بين الدولار الأمريكي والبات التايلاندي لتوفير السيولة اللازمة.
وعلى الرغم من نجاح ''فاينانسون'' في تسويق المنتج بشكل كبير في سوق الإنشاءات التايلاندية، إلا أنها واجهت تحدي تحصيل الديون من شركات الإنشاءات المنهارة ما أسهم في تضاعف ديونها المعدومة، وانخفاض قيمتها السوقية، ووقف تداول أسهمها في السوق المالية التايلاندية، ووضعها على حافة الإفلاس.
امتد تأثير الأزمة إلى البات التايلاندي، فكما هو معلوم، أن البات التايلاندي كان مربوطا بالدولار الأمريكي عند سعر 25 باتا تايلانديا، ومع استمرار تراجع الاقتصاد التايلاندي، ازدادت حدة المضاربات على البات التايلاندي، ما استدعى تدخل البنك المركزي التايلاندي لحمايته مقابل العملات الأجنبية.
انتهج البنك المركزي التايلاندي سياسة حماية من شقين. الأول، الاعتماد على احتياطي العملات الأجنبية. والآخر، زيادة معدل الفائدة من 10 إلى 12 في المائة. لم تجد هذه السياسة أمام الزيادة الحادة في المضاربة على البات التايلاندي بسبب انخفاض المستوى النظري والفعلي لاحتياطي العملات الأجنبية إلى قرابة 33 و1.41 مليار دولار أمريكي، على التوالي.
انتهت عملية حماية العملة الوطنية في منتصف 1997 عندما أعلن البنك المركزي التايلاندي فك ارتباط العملة الوطنية بالدولار الأمريكي وتعويمها مقابل العملات الأجنبية. استمر البات التايلاندي في الانخفاض رغم تعويمه حتى خسر قرابة 60 في المائة من قيمته إبان فترة الارتباط بالدولار الأمريكي.
أمتد تأثير انخفاض البات التايلاندي إلى قيمة ديون الشركات التايلاندية لتتضاعف الديون و تضع بعضها على حافة الإفلاس، والبعض الآخر بعد حافة الإفلاس. ومع تزايد عدد الشركات المنهارة تراجع مؤشر السوق المالية التايلاندية إلى قرابة 60 في المائة نهاية 1997 بعد أن تراجع قرابة 45 في المائة نهاية 1996.
تحمل تجربة التمويل العقاري التايلاندية وانعكاساتها على قيمة البات التايلاندي في طياتها عديدا من الفوائد حول أهمية التوازن بين نمو القطاعات الاستراتيجية المختلفة داخل الاقتصاد المحلي بما يحقق الحماية الاقتصادية الشاملة من تقلبات الاقتصاد العالمي والتنمية المستدامة للاقتصاد المحلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي