ما بعد رمضان وأعمال الخير

مع إطلالة شهر رمضان في كل عام تنشط أعمال البر والخير، ويسارع الناس، ويتسابقون في تقديم المعونات، وبذل المال في مجالات متعددة، تتجلى مظاهرها في مخيمات إفطار الصائمين على الطرق، وفي الساحات، وفي المساجد، وما من شك أن تفطير الصائمين ما هو إلا مظهر واحد من أعمال الخير التي تشمل كثيرا من زكوات، وصدقات، ومواد تموين تقدم للأسر المحتاجة، إضافة إلى المناشط الدعوية من كتابات عبر وسائل الإعلام، أو قراءات في المساجد تحث على أعمال الخير، والسلوك المنضبط، والتراحم بين المسلمين.
وإذا كانت هذه المشاهد تكثر في مجتمعنا، فإن المجتمعات الإسلامية الأخرى توجد فيها مثل هذه المناشط خلال الشهر الفضيل، نظراً لأننا نتقاسم معهم المبادئ نفسها، والقيم، ونشرب معهم من الكأس نفسه، ومن المعين نفسه. تعليمات الإسلام وإرشاداته تحث على فعل الخير في كل الأوقات والأزمنة لكن تأكيداً خاصاً على مضاعفة الأجر في الشهر الفضيل يجعل المسلمين يغتنمون هذه الفرصة ويسارعون في فعل الخيرات.
لو عملنا رسماً بيانياً لأعمال الخير خلال شهور السنة لوجدنا أن قمة الرسم البياني تكون في شهر رمضان، أما بقية شهور السنة فإنها قد تأخذ وتيرة واحدة أو ربما ترتفع وتنخفض لكنها لا تصل المستوى الذي تكون عليه خلال الشهر المبارك نفسه، ومع أن المحتاجين من فقراء، وأيتام، وأرامل، وغيرهم يشعرون بالفرق خلال الشهر الكريم إلا أن المؤكد أن حاجتهم ليست مقتصرة على هذا الشهر ذلك أنهم بحاجة إلى مصاريف الأكل، والشرب، والملبس، وربما إيجار المنزل، إضافة إلى احتياجات المناسبات وما أكثرها، وذلك طوال العام.
في كل مجتمع يوجد فقراء ومحتاجون لكن درجة الاحتياج، ونوعه تختلف، كما أن المجتمعات تختلف في أنظمة الرعاية الاجتماعية التي تتكفل بها الدولة فبعض المجتمعات يؤمن السكن للمحتاج إليه، ويدفع بدل رعاية طفولة، وكذلك الرعاية الصحية، وبدل بطالة، بينما مجتمعات أخرى قد لا تتوافر فيها هذه الأنظمة التي تحقق للفرد العيش بكرامة، وشعور بالإنسانية. ميزة وقيمة أنظمة الرعاية الاجتماعية أنها لا تجعل مصدر رزق الفرد قائماً على الصدقة، أو المعرفة، أو القرابة بل إن المحتاج يدخل في نظام الرعاية الاجتماعية الذي يضمن له وصول ما يحتاج إليه دون الاضطرار لسفك ماء وجهه في الطرقات، أو في المساجد، كما أنه لا يحتاج إلى المرور في متاهات البيروقراطية. فئات المحتاجين تتعدد، وتتنوع، وتتغير حسب الظروف، وأوقات السنة، ولا يقتصر الأمر على الأيتام، والأرامل، بل إن المرضى العاجزين عن العمل كمرضى السرطان، أو الفشل الكلوي، والذين بحاجة إلى رعاية مستمرة طوال العام، نظراً لتكلفة غسيل الدم يجعل هذه الفئات بحاجة إلى الاهتمام، والرعاية طوال العام، ولا تكون المساعدة، والمساندة خلال رمضان فقط. كما أن المديونين نتيجة ديات حوادث السيارات، وغيرها هم من الفئات التي تحتاج اهتماماً من قبل أفراد المجتمع لأن هذه الفئات قد توجد في المجتمع في أي لحظة.
الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين، والسيول، كما يحدث في باكستان هذه الأيام، وقبل بضع سنوات عندما ضربها الزلزال أوجدت، وتوجد فقراء بصورة مفاجئة، وملايين المشردين الذين فقدوا كل شيء في حياتهم عدا ما يستر عوراتهم يعدون مثالاً صارخاً على حاجتنا إلى إعادة ترتيب وتنظيم أعمال الخير التي تجود بها نفوسنا بصورة قوية خلال رمضان، وندخر جزءاً منها لأيام، وشهور السنة الأخرى.
ما من شك في أن حاجة الناس ليست مقتصرة على شهر رمضان، بل إن الحاجة تمتد خلال السنة، ولو تمعنا في مجتمعنا سنجد أن الدراسة تبدأ مباشرة بعد العيد، والمدارس لها احتياجاتها، ومصاريفها التي تستوجب عناية من الموسرين، وبعد ذلك يأتي عيد الأضحى، وما يحتاج إليه من نفقات، ثم يدخل موسم الشتاء، وما أشد الشتاء، ووطأته على الناس، والفقراء بالذات فقسوة برودته، وما يصاحبه من جوع تجعل فترته من أهم الأوقات التي تحتاج إلى عناية واهتمام أكثر لفعل الخير، وتقديم الصدقات لمحتاجيها.
بطاقة معايدة لكل ساع لفعل الخير، وكل مشجع عليه، سواء بالقول أو بالكتابة، كما أخص قراء ''الاقتصادية'' المنبر الإعلامي المتميز بمعايدة خاصة لما لهم من دور في تحفيزنا نحن الكتاب لتقديم ما يخدم مجتمعنا، ووطننا للدفع به نحو الأمام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي