هل تشعر بالسعادة في العيد؟
أريد أن أتطرق هذا اليوم إلى معنى العيد وكيف ننظر له، فطريقتنا في التعامل مع الأفراح والأعياد تحتاج إلى وقفات، ولكن قبل أن أبدأ مقالي أريد أن أستغل منبري هذا، وأدعو الله العلى القدير أن يتقبل من الجميع الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن، وأن يعيد هذه المناسبة السعيدة على أمتنا العربية والإسلامية بالخير واليُمن والبركات ونحن جميعا في أحسن حال.
في البداية نريد أن نجيب بكل صدق عن أسئلة تتبادر إلى أذهاننا ومنها: هل نشعر بالسعادة في العيد؟ وماذا يعني لنا العيد؟ هل نحن بالفعل نريد أن نفرح في هذا اليوم ولكننا لا نعرف كيف؟ هل يختلف يوم العيد عن بقية الأيام؟ هل ثقافة الفرح لدينا مشوشة أم أنها لم تتكون بعد؟ أصدقني القول يا من تقرأ هذه السطور: هل تبتهج بالعيد؟ هل يمثل لك شيئا؟ هل ترى أنه مختلف عن بقية الأيام؟ هل سلوكياتنا وبرامجنا يوم العيد هي التي حولت أعيادنا إلى مأتم ولم يبق لنا من العيد إلا اسمه؟
نرى يوم العيد رجالا يرتدون أجمل الملابس وأثمن ''البشوت'' إلا أن وجوههم كالحة، ونظراتهم ساخطة، وعيونهم بائسة، أتوا كأنهم يحضرون مأتما رسميا. ولا أظنهم غير راغبين في إظهار الفرح بل أراهم غير قادرين على إظهاره، يتحاشون أن ينطقوا بكلمة فتؤخذ عليهم فيدفعون بهذه المهمة لمن هم أجرأ منهم ويبقون مستمعين تستل من شفاههم الابتسامة كما تستل من الشوك ذابلات الورد. إنهم يرون العيد يوما كئيبا ثقيلا غاية أمنيتهم أن يمر بسلام.
إننا لا نرى فرقا بين أيام العيد وأيام رمضان إلا إباحة الطعام والشرب، أما مظاهر الفرح والبهجة فغير موجودة. نرى المدن أخذت جمالها وزينت فنرى العقود الضوئية المنتشرة في الشوارع الرسمية ونسمع العروض الشعبية تجوب أقطاب المدينة وترسل التهاني عبر الجوال والبريد الإلكتروني ويقابلك الناس فيعانقونك بحرارة، ولكن كل هذا لا يغير من الحقيقة شيئا، فأنا لا أشعر أن الناس فرحة مستبشرة سعيدة كما أراهم في بلاد العالم المختلفة رغم ما يعانونه هناك من الفقر والحاجة والفاقة وقلة ما في اليد. أرى أننا شعب حزين، كئيب، شحيح العواطف، فقير المشاعر لا نعرف كيف نفرح.
لماذا نحرم أنفسنا من متعة الفرح وإظهار السعادة؟ أم أن ليس لدينا سعادة نظهرها؟ كيف وصلنا إلى هذه الهوة من رفض الحياة فيمر علينا العيد والأيام العذبة ونحن في توجس وخيفة وريبة نشد أعصابنا ونحطم عواطفنا ونحفل بالصغير وبالكبير؟ هل لا نفهم من العيد سوى الزيارات وتبادل التهاني والألعاب النارية والعروض الشعبية؟ هناك شيء غريب يحدث في حياتنا حرمنا من الاستمتاع بالفرح وإظهار السعادة. تُرى ما هو؟ هل العادات والمبالغة في النقد والخوف من إظهار الفرح سيطرت على حياتنا فأصبحت تلاحقنا حتى في الأعياد؟ أم أن أعباء الحياة طغت علينا بزخرفها وقسوتها فأصبحنا نستحضرها حتى في العيد؟ أم أن حياتنا لم تُشيد على حب الحياة والشعور والعواطف والعلاقات الإنسانية دون مصالح؟
لكي يكون للعيد في حياتنا معنى يتعين علينا أن نبنى ثقافة الفرح في مجتمعنا على قاعدة عشق الحياة. يجب أن نعرف أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يرسل الرسل لكي نفهم الحياة فقط بل لنستمتع بها ونفرح. كما أنه سبحانه وتعالى لم ينزل الكتب السماوية للتهديد والوعيد بالعذاب الذي ينتظر الكافرين في الآخرة فقط بل للتحذير من جحيم الدنيا الذي ينتظرنا إذا رفضنا عشق الحياة.
كما يتحتم علينا إعادة النظر في بعض عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا حتى نستوعب ثقافة الفرح. ويتعين أيضا استحضار مكاسبنا، وما أفاء الله به علينا من نعم حُرم منها الكثير، ولا أقصد بذلك الدور والقصور والماديات فقط بل دفء العائلة ولم الشمل والأمن في الأوطان والصحة في الأبدان. هل ندرك معنى أن نجتمع عائلة واحدة في مكان واحد وغيرنا مشتتين في قارات العالم لطلب الرزق بعضهم لم ير أمه أو أباه أو أخته لبضع سنوات وإن رآهم فلن يعرفهم لأن جذوة الحياة قد غيرت ملامحهم. يجب أن نتذكر إخوانا لنا لا يستطيعون الفرح إما لحاجة وإما لكارثة وإما لمرض وإما لفاجعة وبعضهم فقراء معدمين يعيشون على هامش الحياة يدخلون إلى دنيانا هذه متسللين ويخرجون منها متسللين كما وصفهم مصطفى المنفلوطي في نظراته.
العيد يعني الشعور بغاية السعادة وتذوق الفرح المعسول ونحن بسلوكياتنا وبرامجنا وعاداتنا البالية ضيعنا على أنفسنا الاستمتاع بها ففقدنا الشعور بالعيد حتى أصبح مجرد يوم كسائر الأيام لا يمثل لنا ولا لأبنائنا شيئا فيصعب علينا فيه إظهار البهجة ولو حاولنا اصطناعها.
لقد أمضيت عدة أعياد من حياتي في ثقافات تعرف شعوبها كيف تستمتع بالحياة والأيام العذبة، وتعرف كيف تظهر الفرح، وإنك لترى الرجل أو المرأة يوم العيد يكاد يخرج من جلده مما يشعر به من بهجة وفرط حبور. لقد كانت تلك الأيام آخر عهد لي شعورا بالعيد بعد أن عدت إلى بلدي وانغمست في ثقافتي الأصلية التي تحاسب حتى على البهجة. ولقد حاولت أن أستعيد تلك الأيام في بلدي إلا أن ثقافتي رفضت ذلك فتيقنت أنني إذا أردت أن أشعر بالفرح فعلي أن أقضى العيد مع الشعوب التي تعشق الحياة وتحب الناس وتتذوق السعادة ولكن مصيري أن أعيش مع من يرفض الفرح فما أشقى المصير.