رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فقه جديد .. إن لم تكن معي فأنت كافر

شدد الدكتور سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في تصريح له في جريدة ''الوطن'' مطلع هذا الأسبوع، على أن الجامعة ستتعامل بحزم مع كل من تسول له نفسه التجرؤ على الفتوى، وستطبق القرار الملكي القاضي بحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء. وقد دعي أعضاء هيئة التدريس إلى الالتزام والتقيد بالأمر الملكي، وألا ينساقوا وراء الهوى والشبهة وإثارة الفتن وإيقاع المجتمع في الخلاف والاختلاف والشقاق، وأن يكونوا يدا واحدة وصفا واحدا، فالأمر غير قابل للاجتهادت الفردية والمواقف الشخصية.
ورغم الأمر الملكي بحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء وتشديد مدير جامعة الإمام على هذا، إلا أن بعض منسوبي جامعة الإمام ما زالوا غير ملتزمين. فقد نشر أن اثنين من منسوبي جامعة الإمام أصدرا أحكاما اجتهادية عبر محطتين فضائيتين تتعارض ومنطوق الأمر الملكي. أحدهما أفتى بجواز الهجوم على الوزير الراحل غازي القصيبي، ووصف من انبروا للدفاع عنه وتأبينه بالمنافقين. وقال إن حديث ''اذكروا محاسن موتاكم'' حديث ضعيف. ثم أفتى بجواز مقاطعة إحدى الشركات لتوظيفها فتيات سعوديات بوظيفة ''كاشير''، وقال إنه يجوز مقاطعتها بعد إعطائها مهلة لتصحيح مسارها. أما العضو الآخر فقد أصدر فتوى تكفيرية في حق بعض القنوات الفضائية، فرغم ادعائها الإسلام إلا أنه يرى أنها لا تمت إليه بصلة.
إن إطلاق الفتوى بهذا الشكل يجعلنا أمام قضية قد تحدث فتنة وتثير فوضى تمزق الناس حتى يذيق بعضهم بأس بعض. وما الأمر الملكي بحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء إلا حماية من فوضى الفتوى التي أصبحت في كل يد، تمسي على فتوى وتصبح على أخرى لا تعلم الصحيح من عدمه ولا الحقيقة من ضدها حتى وصل الوضع والاستخفاف بعقول الناس إلى أن أحد الدعاة يفتي بعدم جواز الصلاة وراء داعية آخر يخالفه الرأي، ناهيك عن موضة الفتوى في الرضاعة والحجاب وغيرها، حتى أصبحنا موضع إسفاف وتهكم.
نعم ديننا ينظم حياتنا ولكن ليس بهذه الطريقة، فإقحام الدين في غير موقعه ودخول من ليس أهلا للفتوى أضر بالناس وألبس على الخلق. هناك أمور دينية صرفة تحتاج بالفعل إلى رأي الشرع الحنيف في ذلك كالصلاة والصيام والحج ونحوها، ولا يستطيع أحد أن يحل محل علماء الشريعة في ذلك. وهناك أمور دنيوية صرفة يتدخل الدين فيها بشكل محدود جدا، ولكى تنظم معايش الناس فإنها تحتاج بشكل كبير إلى متخصصين في علوم الاقتصاد والموارد البشرية وعلم الاجتماع والطب، كمشكلات البطالة وغلاء الأسعار وانتشار الأمراض وغيرها. وهناك أمور تحتاج إلى مزيج بين علم الشريعة والعلوم الأخرى، كالإعلام وإدارة الأموال وعمل البنوك ونحوها. ووظيفة الدين هنا لمعرفة الحدود الشرعية وليس لإثارة الفتنة واستعراض الذات وتصفية الحسابات وتقسيم المجتمعات بل للمساعدة في طرح حلول منطقية عقلانية قابلة للتطبيق للتسهيل على الناس. وديننا قادر على ذلك فأبواب الشرع متعددة لجمع الناس ولحمة الأمة، وليس للفرقة والتناحر وإثارة العداء كما نراه الآن فقد وُلد فقه جديد لسان حاله يقول ''إن لم تكن معي فأنت كافر''.
لا نريد اجتهادات جوفاء خرقاء تقودنا إلى مهاترات وسباب وتقسيم مجتمعنا إلى جبهات كما حدث لقضية قيادة المرأة للسيارة، عندما تم إدخال رجال دين غير مؤهلين وغير قادرين على فهم الحياة في قضية مرورية ليس لها علاقة بالدين، ماذا حدث؟ بدأ الأمر بالتشدد وتسطيح القضية وتكفير كل من ينادي بأحقية المرأة في قيادة السيارة. وبقينا عقودا نقدح في بعضنا في أمر كان من الممكن تفاديه لو نظرنا إليه بأنها قضية تنظيمية ليس للدين علاقة مباشرة بها. وبعد عقدين من الصراع ها هم المتعصبون لهذا الأمر بعد أن نضجوا يرددون على استحياء هذه الأيام أن قيادة المرأة للسيارة ليست من الثوابت.
أنا مع مدير جامعة الإمام فيما ذهب إليه بعدم السماح للمجتهدين وأصحاب الأهواء والمواقف الشخصية بالفتوى حتى لا يضلوا الناس. نعم هناك عيوب ومشكلات وجرائم وهذه خصائص التجمعات البشرية، ولكن هذه تحتاج منا إلى مواقف مدروسة وآراء حكيمة و ليس إلى فتوى معلبة. نحن نرى ونسمع الانحراف في الإعلام. نرى في برامج رمضان ما يدمي القلب ويجرح الصوم و يفسد الأخلاق ولكن الفتوى بالتكفير ليست هي الحل بل العمل المنظم المنطقي كما يحدث مع إيقاف البرامج والمسلسلات التي يرفض الناس طريقة عملها وما تتضمنه من ميوعة ومشاهد مخلة وتجريد للفضيلة بطريقة لا تتفق مع الشهر الكريم. يحدث هذا دون فتوى ودون تكفير ودون خلق عداءات، وقد عرف كل طرف خطأه وانتهى الموضوع.
علينا أن نكون أكثر عقلانية ونبتعد عن الانغلاق وتسطيح قضايا الحياة. المرأة تحتاج إلى العمل لسد حاجتها من المال الحلال حتى لا تلجأ إلى غيره، والإعلام يحتاج إلى تهذيب وليس إلى تكفير، والإنسان عندما يموت يحتاج منا إلى الدعاء، فمن يتأله على الله ويحكم على الناس بجنة أو نار؟!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي