الاعتكاف في المساجد يثير أزمة بين الأزواج الجدد
يقبل الكثير من المسلمين على الاعتكاف في المساجد في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وتحدث عديد من المشكلات في البيوت الزوجية بسبب هذا الاعتكاف, خصوصا بين الأزواج الجدد الذين هم على عهد قريب بالزواج كالذي يتزوج في شهر شعبان، مما يوجد خلافا بين الزوجين بسبب الرغبة في الاعتكاف وهو في هذه الوضعية الحرجة, ما يحدث شرخا بينهما لهذا السبب، فهي ترى أن وجوده ضروري في بيت الزوجية, ولا سيما أنهما ما زالا في أول شهر زواج وتحتاج إلى وجوده في المنزل ولا تفضل الذهاب إلى منزل والديها، بينما يرى الزوج عكس ذلك تماما فهو يرى أن المدة بسيطة وشهر رمضان فرصة قد لا تتكرر وهو اعتاد على الاعتكاف في كل عام ويطالب زوجته بتقدير ظروفه والوقوف معه وكلها أيام بسيطة، وأحيانا العكس, المرأة تصر على الاعتكاف هي أيضا في مقابل إصرار زوجها على الاعتكاف، وبتمسك كلا الزوجين برأيه قد يحدث ما لا يكن في الحسبان, وهو حدوث الطلاق أبغض الحلال عند الله، فما هي الرؤية لمثل هذه المشكلة التي تحدث سنويا في أفضل الشهور وكيف التوفيق بين الزوجين؟
#2#
#3#
#4#
مشكلة الاعتكاف
في البداية, يتحدث عن هذه القضية أحد الأزواج الجدد عبد الله الحكيم من مكة المكرمة فيقول: مشكلة الاعتكاف في رمضان لم تحدث لي ولا سيما أني حديث عهد بالزواج وأشفق على من يقع في هذه المشكلة لأنها صعبة بين الزوجين وهما في بداية حياتهما الزوجية، ولا بد أن تكون هناك مرونة بين الزوجين وإلا سيحدث الخلاف بينهما وسيزداد إذا لم يصلا إلى حل, وأتمنى أن تحل مثل هذه المشكلة قبل أن تكبر, وهذا يتطلب تنازل أحد الطرفين ليتم الصلح بينهما.
ويؤيد خالد الحسين - مواطن - اعتكاف الزوج ويطالب الزوجة بأن تقف مع زوجها وكلها أيام بسيطة ويعود إليها, ولا ينبغي أن تحدث مشكلة بينهما بسبب قيامه بعمل يقربه من ربه، والزوجة الصالحة خير من يقف مع زوجها في مثل هذه الأمور، وأنصحها بعدم افتعال المشكلات ولا سيما إن كانت حديثة الزواج.
لا نتمنى حدوثه
من جانبه، يرى الشيخ خالد الهميش المستشار الأسري وإمام وخطيب جامع الفياض في الرياض, أن مسألة الاعتكاف للزوج أو الزوجة إذا كانا حديثي عهد بالزواج أن يكون التوافق بينهما حيث لا يترتب على ذلك وصول الأمر بينهما للطلاق, وهو أمر لا نتمنى حدوثه بين أي متزوجين، وخاصة أن الطلاق كثر في الآونة الأخيرة مما ينذر بمشكلات أسرية كثيرة، لذا على الزوجين أن يتفقا على اتخاذ قرار مناسب ليس فيه تهور, وكلما كان التفاهم هو السائد بين الزوجين فلن يقعا في مثل هذا الأمر الذي يفرق ولا يجمع, ونتمنى أن يسود الود والمحبة بين الزوجين.
ويشير الشيخ مساعد الشهري مستشار أسري إلى أهمية تغليب المصلحة على وقوع مفسدة أكبر تسهم في تعكير الحياة الزوجية بين الأزواج الجدد الذين يرغبون في الاعتكاف في المساجد في رمضان .. وكلما حرص الزوجان على الحفاظ على بيت الزوجية يسر الله لهما العلاج في أي مشكلة تعترضهما، ومثل هذه الخلافات يمكن حلها، قبل أن تصل لما هو أبعد بتدخل العقلاء من الأسرتين، فالأجر - إن شاء الله - حاصل دون تعنت والتشاور والعقلانية يجب أن تسودا بين الأزواج لا أن يكون الحل هو الطلاق.
ويوضح الشيخ الدكتور علي بن محمد باروم عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة بقوله: إن حكم اعتكاف النساء في المساجد مسألة اختلف عليها الأئمة على قولين فذهب الحنفيَّة إلى عدم جواز اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة؛ وجوزوا لها الاعتكاف في مسجد بيتها الذي أعدته للصلاة وفي رواية لهم أن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها. وذهب المالكيَّة إلى جواز اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة؛ وقد سأل ابن القاسم كما في المدونة الكبرى لسحنون: ما قول مالك في المرأة تعتكف في مسجد الجماعة؟ فقال: نعم. قيل: أتعتكف في قول مالك في مسجد بيتها؟ فقال: لا يعجبني ذلك، وإنما الاعتكاف في المساجد التي توضع لله وبمثله قال الحنابلة فيما حكاه ابن قُدامة وغيره. وقد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد الذي تصلى فيه الجماعة؛ إلا في مسجد بيتها؛ لأنها تتعرض لكثرة من يراها, والذي يظهر ـ والله أعلم ـ القول بجواز اعتكاف المرأة في المسجد، ويدل على ذلك اعتكاف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلَّم ـ معه، وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلَّم ـ لما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: (ثم اعتكف أزواجه من بعده)، ولعموم الأدلة الواردة في الاعتكاف؛ لأنَّ (النِّساء شقائق الرجال)؛ وهو حديث حسن, لكن يجب عليها أن تستأذن وليها لاعتكافها، لما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها ـ (أنها استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - في الاعتكاف معه فأذن لها. (وينبغي أن تتخذ موضعاً منعزلاً عن الرجال؛ كالخباء ونحوه؛ لكي يكون أستر لها؛ وأصون لها وأحفظ عن نظر الرجال، ويدل على ذلك أن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلَّم - ضُربت لهنَّ أخبية معه لمَّا رغبن الاعتكاف في المسجد, ولا ينبغي أن تتخذ ذلك في طرق الرجال أو مصلاهم لئلا تقطع صلاتهم؛ أو تتعرض للفتنة, وينبغي ألا تكون الأخبية مضيقة على المصلين في مصلاهم وللمرأة الاعتكاف في أي مسجد؛ ولو مسجد جماعة؛ لأنه لا يجب عليها شهود صلاة الجمعة؛ بخلاف الرجل، وإن اعتكفت المرأة فحاضت أثناء اعتكافها؛ فإن كان للمسجد رحبة خارج المسجد فلها إتمام الاعتكاف فيها؛ إن أمكن ذلك؛ وإن لم توجد رحبة، أو لم يمكن الاعتكاف فيها رجعت إلى بيتها، فإن طهرت رجعت إلى معتكفها، ويُستحب لها قضاء الأيام التي حاضتها بعدما شرعت في الاعتكاف ولا حرج على المستحاضة إن اعتكفت في المسجد؛ بشرط أن تتلجم حتى لا يؤذي الدم المسجد، ويدل على ذلك ما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (اعتكفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - مستحاضة من أزواجه؛ فكانت ترى الحمرة والصفرة، وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي)، ويُستحب للمعتكفة الاشتغال بالعبادة؛ من صلاة، وتسبيح وتهليل، وقراءة القرآن، والاشتغال بعموم القربات التي لا تتنافى مع الاعتكاف. ولا حرج عليها أن تخرج من معتكفها لحاجة ماسة لا تُقضى في المسجد؛ ويدل على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق في مصنَّفه بإسناد صحيح عن عَمرة بنت عبد الرحمن قالت: (كانت عائشة إذا خرجت إلى بيتها لحاجتها تمر بالمريض؛ فتسأل عنه؛ وهي مجتازة. لا تقف) المسألة الثانية: هل يُشرع لحديث عهد بنكاح الاعتكاف؟ النظر في هذه المسألة يكون من وجهين الأول من حيث صبره عن أهله مدة اعتكافه؛ بحيث لا يُعرِّض نفسه للفتنة بالنَّظر والتفكر في النِّساء الأجنبيَّات؛ مما يُوقعه في النَّظر المحرم، الذي ربما أفسد عليه اعتكافه، فإن كان مهيئاً نفسه للصبر عن مفارقة زوجه، مشتغلاً بما يُنسيه الملذات والشهوات من أنواع الطاعات والقُرُبات، فمثله يُستحب في حقه الاعتكاف لما فيه من موافقة السنَّة؛ والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلَّم - ويتقيَّد هذا الاستحباب إن لم يكن فيه ضرر على زوجه؛ بحيث يُؤدي بُعده عنها بسبب اعتكافه إلى افتتانها؛ وتعرضها للوقوع في الزنا، فإن كان فيه تضييع لزوجه، وتعريضها للزنا فإنه يُمنع منه، لأن القاعدة المقررة دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ولأنَّ حق الزوجة آكد من الاعتكاف المستحب، وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلَّم ـ (إنَّ لأهلك عليك حقاً، . . . .، فأعط كل ذي حق حقه) متفق عليه، وهذا هو الوجه الثاني، هذا والله أعلم.