أين قيم الإنسان في مطبخ رمضان وأحاديث أيام زمان؟
لقد بدأت وانتهت بطولة كأس العالم التي أقيمت في جنوب إفريقيا بلد المناضل ''نيلسون مانديلا''، وكلنا شاهد ما تركته مثل هذه المناسبة من صدى منذ الموافقة على إقامتها وحتى انتهائها لدى المتابعين على مستوى العالم. لقد أصبحت مقولات وحِكَم هذا الرجل عن العلم والتعليم والحياة والسلام من الأثر وهو مازال حيا. على الرغم من أنه عاصر فترات سياسية مختلفة وحقبا قضى منها ثمرة عمره في السجن بلغت ثلاثة عقود تقريبا، ثم اعتلى كرسي الرئاسة لفترة، إلا أنه عقد العزم على التغيير من دون حمل سلاح أو إثارة الزوابع ليصبح رمزاً عالميا ملأ الدنيا بالأخبار الفضيلة. لقد سجل التاريخ له أفضل ما يخلد إنسانا بين أهله وفي العالم أجمع، وهو ''الفكر المستنير المستديم''. في واحدة من أفضل مما يتذكر العالم له حول التعليم أنه قال: ''أقوى سلاح لتغيير العالم هو التعليم''. هذه رسالة للدنيا وسكانها بأنه لم ولن يتسلط، ولن تستخدم الأسلحة الفتاكة ولن تبنى الجدر أو تحفر الخنادق ولن يتم التخفي في الكهوف لتستقيم الأمور أو تتغير الشعوب. لقد استخدم في كتبه العقل لإحداث النقلة الفكرية والمضي حاملاً سلاح العلم ومتبنياً مبدأ السلم. لقد تلقى العالم كتاباته وخطبه وجهوده ''السلمية'' عن طيب خاطر وبكل تشوق لمعرفة النهاية، فوجه الناس لمنفعتهم وصالح أعمالهم، وحرص على ظهور وطنه في أحلى حلة له. على الرغم من أن العالم يدرك أن المشكلات تنهش مجتمعه حيث التفرقة العنصرية في العِرْقِ والدين والمبادئ، وأنه آثر بقاءه في السجن عن الخروج منه، ولم يتخلص مجتمعه من بقايا الحقد والتفرقة، إلا أن مثل هذه الروح تسللت عبر الحدود الدولية والقارية إلى العالمية فكان اسمه يتردد في كل مكان، وبالتقدير الكبير أصبحت جنوب إفريقيا مضرب مثل.
كهذا النموذج نريد لأمتنا الإسلامية أن تعود فتسود، لنحدث التغيير للفكر الإسلامي المستنير ونتميز بما نسطره ونصدره للعالم من فكر خصوصا. وقد توافرت الآن وسائل النجاح والحمد لله. إن انشغالنا بصغائر الأمور واستحداث المشكلات والبحث في تفاصيل دقيقة لا نفع منها لن يجلب لنا إلا الجدل المنبوذ والنظرة المحدودة والإلهاء عن إكمال المسيرة نحو العزة والسؤدد بتعاليم إسلامية صحيحة. نريد أن نستغل ما نواجهه من متاعب في ابتكار آليات جديدة وآلات وأدوات. نريد أن يسهل على الناس القيام بالأعمال ليعم الرخاء وننعم بهدوء النفس والسكينة. ليس من الضروري أن يكون هناك سجين لتتضح الرؤية، أو يكون هناك أسود مناضل لتتغير أفكارنا، ولا فقير أبيض يحرم أعيننا النوم بظروفه القاسية، ولا مظلوم يحاول جمع الأصوات لرفع الظلم. ولكن من الضرورة أن نعي أننا إذا بلغنا هذا الوضع وبهذا المستوى فإنه يعني أننا نزيد عثراتنا التي هي من صنع أيدينا. إننا بذلك نقسوا على أبنائنا ونتسبب في تعقيد حالهم والإساءة لهم. نهوضنا عندها سيكون صعبا، لأن العالم من حولنا استحدث القوانين، وقد يرغمنا على أن نعيش بهوية مختلفة أو نظم لا تتوافق وطبيعة مجتمعاتنا، فهل استسلمنا فعلا لهزيل المسائل وابتعدنا عن تبني الفضائل؟.
هل يمكن أن نتعلم فنون الكلام لننشر الإسلام والسلام؟. هل يمكن أن نكرس جهودنا لتسهيل التعاملات بين الناس وللناس بهدف دفع عجلة الإنتاج اليومية في كل مجال. المسؤولون لهم دور كبير في تسيير الأنظمة وتحسين العلاقات وتسجيل أفضل الإنجازات، فبالحرص على إصدار القرارات بناء على الدراسات والتأكد من مصادر المعلومات، والاهتمام بتطوير فكر المجتمعات، وبالمتابعة اليومية لكل المعاملات سنحسم قضية الواسطات، وسيرتفع كل قطاع بمنسوبيه لمصاف أفضل البيئات. هنا سنحد من نشر الإنجازات الواهية المتمثلة في التقارير والكتيبات الملونة بالألوان الزاهية دون أن تحتوي على إسهامات حقيقية غالية. هل يمكن إعادة النظر في واقع التعليم من خلال مديري المدارس ليكونوا المدرسين والموجهين والمحفزين وصناع الفكر السليم كل في مدرسته؟. فهنا سننشئ أجيالا تعيد سيرتنا العطرة وستكون في دورة التعليم كل 12 عاما تفاخر بمبدع ومفكر وعالِم لم يبلغ الـ20 من عمره. هنا لا بد من الاهتمام بمناهج التعليم في المستويات الدراسية العليا لتكون معتمدة التعلم المستمر لا اتباع الطريقة السردية القصصية الداعية إلى السأم والملل، وبالتالي يخرج المؤهل منهم ليجد أمامه نظام موارد بشرية يتبنى القيم الإنسانية في بنائه ويظهر الحرص على تطوير المهارات والقدرات في فقراته.
أما بالنسبة للإعلام فهناك حاجة إلى إعادة صياغة تفاعله مع الأحداث وابتكار طرق التواصل مع الأفراد والمؤسسات. لا شك أن الجهود حثيثة الآن إلا أن السعي إلى الأفضل بات من أسس التميز في الإنجاز والانتشار في كل مكان. إن استخدام تقنية المعلومات والبحث عن أجود الكفاءات المتحلية بأحدث المهارات بهدف تسارع التجاوب مع الإعلام الغربي والشرقي ـــ الذي بدأ يغزونا حتى من خلال قنواتنا المحلية ـــ سيجعلنا نستبدل مطبخ رمضان والحديث عن أيام زمان ببرامج ترفع من قيمة الإنسان وترفع راية الإسلام في كل مكان. والله المستعان.