إصلاح سياسة الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء .. قرار أم خيار؟ (1 من 2)
يتناول التقرير السنوي المفصل لوكالة الطاقة الدولية الذي سيصدر في تشرين الثاني (نوفمبر) لهذا العام أثر سياسة دعم الحكومات لموارد الطاقة الأحفورية على اقتصادات الدول الداعمة، هذا إلى جانب تحليل معدلات نمو الطلب للاستهلاك المحلي والآثار البيئية المترتبة. ففي استبيان شمل 37 دولة شكلت مجموع دعمها ما يزيد على 95 في المائة من مجموع الدعم العالمي للوقود، وصل مجموع دعم تلك الدول للنفط والغاز والفحم ما يساوي 557 مليار دولار في 2008 مقارنة بـ 342 مليار دولار في عام 2007. كانت المملكة ثالث أكبر داعم للوقود المستهلكة محليا بعد إيران وروسيا ويليها الهند فالصين، إلا أن التقرير الموجز أشار إلى إصلاحات ملحوظة لتطوير سياسة الدعم في روسيا والهند والصين لعام 2008. أما إيران فقد تصدرت قائمة الداعمين بجدارة ووصل حجم دعمها للوقود 101 مليار دولار أي خسرت ما يعادل ثلث ميزانية الدولة لعام 2008، مع الإشارة لوجود تحديات سياسية واجتماعية عميقة قد تعوق إجراء إصلاحات لسياسة دعمها للطاقة على المدى القريب. الحقيقة أن قضايا الطاقة المعاصرة هي معقدة جدا في العالم كله ولها محاور متداخلة ومتشابكة تحير الساسة والعلماء في تحديد أولويات هذه القضايا حسب الظروف الخاصة لكل دولة.
وعودة إلى المملكة، وإلى قطاع الكهرباء تحديدا، فإن إصلاح سياسة الدعم الحكومي للطاقة مفردة معقدة إن لم يتم التعامل معها بعناية قد تفرز تحديات تحبط تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية المختلفة. فإضافة إلى دعم أسعار الوقود لتوليد الكهرباء الذي تجاوز 50 مليار ريال سنويا، فإن الدولة فرضت قبل عقود تعرفة منخفضة غرضها الأساس هو تشجيع الصناعة والتجارة الوطنية للنهوض بالقطاع الخاص لأداء دور أكبر في تنمية الاقتصاد المحلي، إضافة إلى تحسين نمط حياة الفرد من خلال تمكينه شراء واستخدام المزيد من الأجهزة الكهربائية. ومن حينها والطلب على الكهرباء في ارتفاع بوتيرة متسارعة تجاوزت إمكانيات شركات الكهرباء في ذلك الوقت. فبناء وتشغيل المزيد من المحطات والشبكات اللازمة لتوفير الإمدادات المطلوبة يحتاج إلى سنوات عدة، بينما قرارات تخفيض التعرفة اتخذت بلا تنسيق سابق مع إدارات شركات الكهرباء. وفي الحاضر ورثت الشركة السعودية للكهرباء تحديات القطاع التي تزداد تعقيدا مع الوقت ومع ذلك فإن الشركة أظهرت إصرارها نحو تحقيق هدف تعميم الكهرباء في جميع أنحاء المملكة لتصل نسبة التغطية إلى 100 في المائة عام 2011م (تقرير الشركة عام 2003). إلا أن التكاليف الاستثمارية والتشغيلية لبلوغ هذا الهدف كانت أكبر من حجم الإيرادات وبلغت الشركة سقفها من القروض التقليدية في الداخل والخارج، ولم تستطع تسديد تكاليف الوقود للدولة. وفي المقابل زادت مديونيات الشركة لدى الدولة ما زاد الأمر تعقيدا إلى أن تدخلت الدولة ووافقت على سداد مديونيات استهلاكها للكهرباء (تقرير 2007) إضافة إلى عدم المطالبة بالديون طويلة الأجل أو تكاليف الوقود التي وصلت إلى 60 مليار ريال كوجه آخر من أوجه دعم الدولة للقطاع. ورغم سخاء الدعم يظل السؤال عن أسباب تدهور صناعة الكهرباء في المملكة قائما.
المقال السابق أشار إلى أن تركيبة المنظومة الكهربائية معقدة للغاية وهي لا تتطلب استثمارات ضخمة فحسب، بل إلى خطة متكاملة طويلة المدى يتم تحديثها باستمرار. إلا أن أي اضطراب لتنفيذ تلك الخطة لها تداعيات لا يمكن حصرها في المقال. فطبيعة الدعم الحكومي المتمثل في تسديد مديونيات استهلاك مرافق الدولة للكهرباء أسقطت عامل أهمية الوقت لتنفيذ خطط شركة الكهرباء ما جعلها في عملية ملاحقة مستمرة لتوفير احتياجات الماضي بدلا من العمل على توفير احتياجات الغد. وهذا أدى إلى تآكل الهامش الاحتياطي من قدرات التوليد إضافة إلى تأجيل استبدال الوحدات المتقادمة من مولدات ومحطات. هذا التأجيل أدى إلى ارتفاع تكاليف الصيانة وربما تكرر خروجها من الخدمة ما تسبب في انقطاع التيار عن المستهلكين. ولأسباب أخرى أكثر تعقيدا قدمت الدولة قروضا حسنة وميسرة لشركة الكهرباء لتنفيذ مشاريعها التوسعية إلا أنها اضطرت للدخول في مفاوضات مباشرة مع مقاولين قادرين على تنفيذ بعض المشاريع على وجه السرعة بدلا من طرحها في مناقصات من خلال اختيار صاحب العرض الأقل. ومن المعلوم أن تنفيذ تلك المشاريع مكلفة جدا إذا ما قورن تنفيذها على الطريقة التقليدية وذلك لتمكين تشغيلها في أزمنة قياسية. كما هو الحال في مشروع توسعة محطة توليد القصيم بعد الانقطاعات المتكررة في صيف 2009، حيث اضطرت الشركة إلى ترسية المشروع لأحد كبار المقاولين في كانون الثاني (يناير) 2010 لتدخل الخدمة في صيف هذا العام. مع العلم أن المشروع في الحالات العادية يتم تشغيله بعد 24 شهرا من التنفيذ على أقل تقدير خلاف التحضيرات اللازمة لوثائق المناقصات.