فن الاختيار

في تجربة تالية، وضع العلماء الفئران في أوان مليئة بالماء وسمحوا لها بالتحرر والنجاة من الغرق ثم عرضوها للتجربة نفسها مرارا. وفي النهاية وضعت الفئران في أواني المياه وتركوها إلى النهاية فلم تستسلم جميع الفئران للموت إلا بعد أن استنفدت كل قواها. إذ يبدو أنها تعلمت أن النجاة ممكنة فاختارت أن تقاوم الغرق طالما استطاعت.
يغطي الكتاب كلا من القدرة على التحكم في الناس وفي الأحداث والاعتقاد بإمكانية هذا التحكم. فالقدرة على التحكم في البيئة المحيطة يعطي قوة تقرير المصير حتى للأطفال الرضع. في إحدى الدراسات علق الباحثون سلاسل في أذرع أطفال لم يتجاوزا شهرهم الرابع وعندما يحركون أذرعهم يتم تشغيل الموسيقى.
أصيب الرضع بالغضب والحزن عندما أزال الباحثون السلاسل وفقدوا قدرتهم على تشغيل الموسيقى على الرغم من أنه كان يتم تشغيل الموسيقى لهم على نحو متقطع. إن الرغبة في الاختيار تعد طبيعية على الرغم من عدم ارتباطها بأي ميزة بيولوجية.
من دون القدرة على الاختيار، لا يمكن الحصول على السعادة، حتى لو كانت قرارات الآخرين توفر لنا أسباب السعادة. وجود قدر من التحكم يجعل الناس أكثر سعادة. في إحدى دور المسنين أتيحت الفرصة لبعض النزلاء باتخاذ قرارات مثل الأفلام التي يشاهدونها والنباتات التي يريدون وجودها في غرفهم. بعد ستة أشهر كان أولئك الذين أعطوا خيارات الاختيار أكثر سعادة ويقظة وكانوا أقل عرضة للوفاة من الآخرين.
بالنسبة للمؤمنين بالأديان السماوية تكون حرية الاختيار بالمفهوم الغربي لها محدودة. توقع الباحثون أن تشيع الإصابة باليأس والتشاؤم والاكتئاب بين أتباع هذه الديانات أكثر من غيرهم في العالم الغربي ممن يؤمنون بالحرية غير المشروطة إلا أن العكس هو ما يحدث – طبقا للكتاب.
تختلف درجة النزعة الفردية أو الجماعية بين الثقافات في جميع أنحاء العالم. تتيح لنا هذه النزعة فهم الاختيار. فالطلاب الأنجلو أمريكيون يؤدون فروضهم الدراسية على نحو أفضل عندما تتاح لهم الخيارات الشخصية. أما الأطفال الأمريكيون من أصول آسيوية فيؤدونها على أفضل وجه عندما يظنون أن أمهاتهم هن اللاتي يخترن لهن الفروض.
يتعلم الأطفال الغربيون أن يضعوا مصلحتهم الذاتية في المقام الأول ويستخدمون وجهة نظر فردية تركز على المصالح والسمات والتفضيلات الشخصية، بدءا من اختيارهم نوعية إفطارهم إلى اختيار المهن التي يودون العمل فيها.
بينما الثقافات الجماعية يتعلم الأطفال أن يكون هناك تأثير لجماعاتهم فيما يتخذونه من قرارات. فهم يعرفون أنفسهم بما لديهم من ترابط وصلات مع الآخرين ويتعلمون تحديد أولوياتهم مع مراعاة رغبات والديهم.