من أعمال التطوع .. نمطية أم أولويات متباينة؟
كنت أستمع إلى برنامج إذاعي يقابل فيه مراسل الإذاعة أحد المشتغلين في مكاتب السياحة والسفر في المنطقة الشرقية, حيث كان الحديث عن تكاليف الإركاب والإقامة لأداء العمرة, واستغربت كثيرا عندما قال صاحب المكتب إن التكاليف في حدود 170 ريالا في أدنى أيام العروض لديهم شاملة الإقامة لليلة ومن ثم الإياب. ولم يكن أنا الوحيد الذي استغرب تدني تلك التكاليف, بل أيضا المراسل الذي كان يقدم جزئيته في ذلك البرنامج. وعلى كل الأحوال فاستغرابي أنا ليس من باب أنني لا أريد أو لا أؤيد أن تكون التكاليف للوصول إلى بيت الله الحرام بأسعار معقولة, بل اعتراضي على عدد من الجوانب في جوهر القضية وهذا النشاط من المنظور الاقتصادي. أولا أن العمرة سنة لم يطلب الشارع الحكيم القيام بما هو أعظم منها, وهو الركن الخامس من الدين (الحج لبيت الله الحرام) ما لم يستطع الإنسان ـــ والاستطاعة هنا تشمل استطاعة التكاليف المادية للقيام بالحج ــــ لذلك يجب ألا يكون عامل التكاليف للعمرة بهذا القدر من التدني سببا للتنافس غير الحميد, إذ من غير المنطقي أن يكون السعر في هذه الحدود لخدمة الإقامة والمواصلات. ثانياـــ كيف ستوفر سكناً ومواصلات لائقين للمعتمر بمثل هذه الأسعار إلا إذا كان على حساب النوعية والجودة ما لم تكن في النهاية لا ترقى إلى مستوى أبجديات الوفاء بالمتطلبات الضرورية جدا لمثل هذه الخدمة؟ ثالثاًـــ لماذا التنافس المنهي بالإغراءات السعرية نحو التشجيع على هذه الأعمال الخيرية (أي العمرة) لفئات من الواضح أنها ستكون عاملا في التسبب في الضغط على البنى التحتية سواء في مكة المكرمة وإلى كل ما يوصّل إليها من قبل أشخاص غير قادرين ماديا, خصوصاً إذا كان السبب عدم قدرة المعتمر مادياً إلا من خلال الأخذ بمثل هذه العروض. رابعاًـــ هناك أوجه أخرى خلاف القيام بالعمرة من الممكن أن تكون حاضنة لهذه المبالغ اليسيرة في أساسها الكبيرة في حال اجتماعها, فلم يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وعلى العموم يمكن الحديث بإسهاب من عدة منطلقات, خصوصاً اقتصاديا, في قضايا مشابهة كثيرة هي في إطارها بلا شك هدف نبيل غير أنه يجب أن يدرك أن هناك أولويات حتى في فعل الخير والبذل بسخاء وبنفسٍ طيبةٍ عليه وبما يتناسب وإمكانات الإنسان المادية . ومن تلك الأمثلة التي يجب الالتفات إليها وإعادة دراستها في المشاريع الخيرية مثلاً برامج الإعانة على الزواج. أتمنى ألا يفهم أنني ضد هذه المشاريع, بل على العكس في إطار تشجيعها, لكن أليس من الواجب أن يكون الشاب مكتسباً قبل أن نساعده على خلق أسر فقيرة ونزيد من أعباء رب أسرتها؟
المشكلة في تقديري أننا فقط درجنا على أعمال نمطية لا نرغب في تغيير نسقها سواء كان ذلك العمل إجباريا أو تطوعياً, فحتى أبواب التطوع لم تخل من النمطية.