رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ما أسباب تدهور صناعة الكهرباء في المملكة؟

في المقالة السابقة تم الحديث عن حجم دعم الدولة لقطاع الكهرباء, ورغم سخاء الدعم مقارنة بدول العالم ما زال القطاع يواجه تحديات كبيرة لإرضاء المستهلكين كافة, فمن جهة، زيادة استهلاك النفط والغاز وضعت المملكة في مصاف دول صناعية من حيث نسب الاستهلاك بمعدلات لا تتناسب مع حجم الاقتصاد المحلي. ومن جهة أخرى فإن تكرر انقطاع الخدمة أصبح مألوفا, خاصة في الصيف, وهو مؤشر خطير لتدهور صناعة الكهرباء, ما تسبب في أضرار نفسية متزايدة لسكان مناطق مختلفة في الطائف والقنفذة وغيرهما, هذا, إضافة إلى خسائر مادية لا يستهان بها لجميع المستهلكين, خاصة للصناعيين والتجار.
لكن يجب ألا ننكر أن تحديات قطاع الكهرباء في المملكة تحديدا هي ليست وليدة اليوم وكان يمكن تداركها سابقا, فتحديات اليوم هي تراكمات لقرارات اتخذت منذ عقود قبل تأسيس الشركة السعودية للكهرباء عندما تم تطبيق تخفيضات كبيرة ومفاجئة في أسعار الكهرباء. نتجت عن تلك التخفيضات تزايد الطلب على الكهرباء, حيث أصبح بمقدور المستهلكين كافة شراء مختلف الأجهزة الكهربائية, وتلك الخطوة المفاجئة جعلت من شركات الكهرباء في سباق مع الزمن لتأمين الطلب من خلال طرح المزيد من مشاريع التوسعة. ما زاد الأمر سوءا أن 80 في المائة من الأجهزة الكهربائية الموجودة في المملكة اليوم هي مخالفة للمواصفات والمقاييس المعتمدة حسب أحد تصريحات وزير المياه والكهرباء, ما يعني وجود هدر كبير في الطاقة المستهلكة, إضافة إلى آثار تلك الأجهزة الرديئة على استقرار الشبكة الكهربائية. وهناك تفاصيل تتعلق بعرقلة تطبيق التعرفة المعتمدة من قبل المقتدرين من مستهلكي الصناعة والتجارة خلال الأشهر السبعة الأولى من تشغيل الشركة السعودية للكهرباء عام 2000, فمجلس الوزراء وافق على تطبيق تعرفة جديدة حينها, حيث راعت جميع المستهلكين وكانت تشجع إلى حد ما على الترشيد في الاستهلاك كأولى الخطوات لإصلاح شامل للقطاع, إضافة إلى الرفع المتدرج للدعم الذي أنهك الاقتصاد المحلي. لكن تخفيض التعرفة نحو 30 في المائة في زمن قصير نسبيا تجاوبا مع المستهلكين المقتدرين ماليا وغياب آلية واضحة لتعويض الشركة, انعكس سلبا على تنفيذ مشاريع شركة الكهرباء التوسعية من جهة, وارتفاع تكاليف صيانة الوحدات المتقادمة من جهة أخرى. هذا إضافة إلى العجز المقدر بقيمة 118 مليار ريال لتمويل مشاريع تعزيز النظام الكهربائي للفترة (2009 ـــ 2018) من أصل 330 مليار ريال حسب التقرير الأخير للشركة.
تركيبة المنظومة الكهربائية معقدة للغاية, وهي لا تتطلب استثمارات ضخمة فحسب، بل خطة متكاملة طويلة المدى يتم تحديثها باستمرار حيث التجاوب اللحظي مع المعطيات الطارئة لمتغيرات الطلب على الخدمة, إضافة إلى التعاطي مع جميع تحديات التشغيل المتفاوتة. لهذا لا بد أن تكون الخطة أكثر وضوحا نحو كيفية تدبير الموارد اللازمة لتنفيذ الخطة, وألا يصبح الشغل الشاغل لإدارة شركة الكهرباء متركزا في توفير التمويل المطلوب لمواجهة أزمة تزايد الطلب وتقادم المنظومة الكهربائية. ورغم أهمية مراجعة مصروفات الشركة وضرورة العمل على رفع كفاءة أدائها إلا أنه مهما زادت كفاءة إدارة الموارد المتاحة للشركة فهي غير قادرة على مجابهة زيادة الطلب على الخدمة. في الوقت ذاته لا يمكن مطالبة التجار والصناعيين بأن يدفعوا زيادة مقابل خدمة ما زالت معرضة للانقطاع في موسم الصيف تحديدا. خاصة أن الزيادة الأخيرة في التعرفة هي مجرد طوق نجاة لا تكفي لتدارك حجم تحديات القطاع بواقعية. ومع تقديري لكل الدعوات بضرورة تهيئة بيئة مناسبة لتشجيع المنافسة في أنشطة الصناعة كافة من توليد ونقل وتوزيع الكهرباء, فإن ذلك لن يحدث في العهد القريب ما لم نجب عن تساؤلات جميع المستثمرين من القطاع الخاص. البيئة المنافسة لسوق طاقة الكهرباء تقتضي تنظيما واضحا للقطاع والإجابة عن أدق استفسارات المستثمرين نحو التكلفة ''الحقيقية'' لإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء وإلا فإن الاستثمار سيعد مخاطرة ما ينعكس سلبا على جذب التمويل اللازم للمشاريع التوسعية. هذا إضافة إلى توضيح مسؤوليات الجهات المستفيدة وضرورة ضمان دفع مستحقات المستثمرين وسد كل الثغرات المتعلقة بالأنظمة والإجراءات القانونية قبل دعوة القطاع الخاص للاستثمار في أنشطة صناعة الكهرباء كافة.
بناء على ما سبق ذكره أصبح واضحا أن الدولة ما زالت تشكل الحلقة الأقوى والطرف الأهم في تدارك الأزمة التي تزداد تدهورا لإنقاذ صناعة الكهرباء وستظل كذلك لمدة ليست بقصيرة. والأهم من هذا كله أن فرص تطبيق الحلول الممكنة, وإن كانت مؤلمة, تتضاءل فرص نجاحها مع الوقت, حيث ستبرز مشكلات أخرى أكثر تعقيدا إن لم نتكاتف لمواجهة التحديات المذكورة كافة. أهم تلك الحلول تكمن في قناعة الدولة نحو دعم القطاع بالاستثمار المباشر ''بلا تردد'' في كل مشاريع التوسعة على المدى القريب على أقل تقدير. في الوقت نفسه لا بد من تشكيل رؤية واضحة ورسم سياسة صارمة ومتزنة وصريحة لإدراك أزمة القطاع. غياب رؤية واضحة لمستقبل قطاع الكهرباء في حاجة إلى وقفة جادة وإعادة نظر نحو سياسة الطاقة المحلية للمملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي