بنفوس مطمئنة.. منحوا ملياراتهم للأعمال الخيرية
نتابع في هذا المقال ما بدأناه في العدد الماضي 5166 ليوم الأربعاء الثامن من رمضان 1531هـ في الحديث عن ظاهرة حيرت الكثيرين، عندما يتعهد 40 مليارديرا بالتبرع بأكثر من نصف ثرواتهم للأعمال الخيرية. جاءتني العديد من الاستفسارات عن مدى صحة هذا الخبر الذي نقلته في المقال الماضي، والذي تناولته وكالات الأنباء العالمية، وعن الدوافع التي أدت بهذه الأسر الثرية إلى الانضمام إلى هذا المشروع الخيري الذي أسسه كل من Warren Buffett أنجح مستثمر في العالم، مع مؤسس إمبراطورية مايكروسوفت Bill Gates وزوجته. لا أستطيع القول بأن إيمانهم بأن ما عند الله خير وأبقى، هو ما دفعهم لذلك، ولا لأنهم مقطوعون فلا وارث لهم، لكنها المسؤولية تجاه المجتمع المحيط، المسؤولية تجاه البشرية. وسنستعرض اليوم العديد من الرسائل التي وجهها هؤلاء المتبرعون، لعلنا نطلع على الدوافع الحقيقية خلف هذا العمل، أو نتفهم شعورهم عند التبرع بهذه الأرقام الخيالية دون ضغط أو تأثير.
أحد المانحين هو Michael Bloomberg مؤسس أكبر شركة إخبارية في العالم تهتم بالأخبار والتحليلات المالية، وهو عمدة نيويورك، ويعد ثامن أغنى شخصية في الولايات المتحدة. يقول بلومبرج (وأترجم حديثة بتصرف) ''أسعد لحظات الحياة أن تصنع السعادة في حياة البشر، وترى ذلك بعينيك''، ويقول ''إذا أردت أن تسعد بحياتك، فكن معطاء''، ويقول أيضا ''إن أفضل عمل تقدمه لأبنائك، لتبين مقدار محبتك لهم، يكون بدعم المؤسسات التي ستساعد في إيجاد عالم أفضل لهم ولأبنائهم. التبرع المالي سيكون تأثيره فعالا ودائما أكثر من الأمنيات''.
أما الشخص الثاني في هذا المقال فهوDavid Rockefeller ، المعروف في مجال العمل الخيري والمحافظة على البيئة. عضو مجلس إدارة في عديد من شركات الاستثمار، ويعبر عن السعادة والفخر اللتين جنتهما أسرته على مدى خمسة أجيال بالمساهمة في الأعمال الخيرية، والتي كان منها تأسيس عديد من شركات الاستثمار المؤسسي، التي أسهمت في تأسيس جامعة كشيكاجو، وجامعة روكفلر، ومتحف الفن الحديث، وصندوق الإخوة روكفلر. يقول ''عائلتنا تؤمن بأن على من استفادوا من اقتصادنا الوطني، مسؤولية خاصة لمنح مجتمعنا ما يحقق له الاستقرار''، ويقول ''آمل أن نسهم بالعطاء المالي، ليتحد مع عطاءات الآخرين الذين يمنحون وقتهم وأفكارهم الإبداعية لتكون خير هدية للأجيال القادمة''.
أما Eli and Edythe Broad وزوجته اللذان حققا ثروتهما الأولى من تجارة العقار، وأسسا شركة استشارات مالية، حيث كان إيلي أصغر طالب في ولاية ميتشجان يستطيع الوصول إلى مرتبة محاسب قانوني. ولعل هذا جعله دائم التبرع للجامعة التي تخرج فيها، وقد أسسThe Broad Institute بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة هارفارد، وهو معهد بحوث متخصص في دراسة علم الجينات والعلوم الطبية الحيوية، وقد تبرعا لهذه المؤسسة بأكثر من 600 مليون دولار بين عامي 2003 و2008. يقول ''الأشخاص الذين يتمتعون بثراء عال، يملكون الفرصة، والبعض سيقول مسؤولية، بينما أرى أنها ميزة، ليتمكنوا من منح مجتمعاتهم جزءا من الإحسان الذي مكنهم من تحقيق هذا الثراء''.
وهنا Sanford and Joan Weill وزوجته، مصرفي أمريكي، وصاحب أعمال خيرية، تولى منصب المدير التنفيذي ثم رئيس مجلس الإدارة لأحد أضخم البنوك في العالم Citigroup Inc خلال الفترة ما قبل عام 2003 وحتى نيسان (أبريل) 2006. له أعمال خيريه كثيرة من أهمها المساهمة مع زوجته في تأسيس كلية علوم صيدلية باسم Weill Cornell Medical College في عام 1998، والتي تبرعا لها بمبلغ يزيد على 250 مليون دولار. يقولان في تبرعهما الأخير ''سنستمر في منح كامل ثروتنا التي حققناها خلال حياتنا، بعد الاحتفاظ بجزء يسير لأبنائنا وأحفادنا، فنحن نؤمن بأن الأكفان لا تملك جيوبا للمال''.
انتهت المساحة المخصصة للمقال، ولكن لم تنته القصص الجميلة التي سعدت بقراءتها، ونقلت لكم جزءا منها، ثم توقفت عن الكتابة لأتساءل: من يعلق الجرس في عالمنا الإسلامي؟