للتميُّز في الأداء لا بد أن يكون البناء بسواعد الأبناء
أصداء المؤتمر الدولي الذي عقدته وزارة التعليم العالي في كانون الثاني (يناير) الماضي من هذا العام ما زالت تتردد في أرجاء عدة من أنحاء الوطن وحتى خارجه لما للمستوى الذي لمسه كل حاضر، مشاركا كان أو مدعوا أو زائرا. لقد أشيد به في حينه وحتى هذه اللحظة بإقامته بأهداف عليا وفي توقيت مناسب وبأسلوب ظللنا نبحث عنه لعقود طويلة، فجاء بارزا ومتميزا بكل ما تحمله الكلمات من معان، ومثل جهود أبناء هذا الوطن الكريم خير تمثيل. المؤتمر القادم في نيسان (أبريل) عام 2011 لا بد أن يكون أكثر تميزا وبروزا وسيكون له شأن عند كبريات الجامعات العالمية لأن الرسائل التي وصلتها منذ بداية مكرمة خادم الحرمين الشريفين ـــ يحفظه الله ـــ الممثلة في ابتعاث الطلاب للدراسة في أرقى وأفضل وأكبر الجامعات في العالم أصبح ينظر لها بكل تمعن وتمحيص، لما قد تشهده المملكة في السنوات القليلة القادمة من طفرة نوعية في التعليم العالي بعد اعتماد البناء بسواعد الأبناء.
ماذا ستقدم الجامعات لنا في هذا المؤتمر القادم ترجمة للتوجهات السامية وللجهود المبذولة من قبل الوزارة بجعل وطننا ـــ بإذن الله ـــ يتطلع لمستقبل سمته التميز الفكري والعملي في شتى المجالات؟ إن مسألة بحث سبل التعاون مهمة لأنها تستعرض النيات الحسنة فستستقطب مفكرين وتلاقح تراثاً وتتبادل أبحاثا علمية وتطور آليات عمل أو أدوات تستخدم في مجالات مختلفة. إلا أننا نبحث في أن نسبق أي اتفاقيات أو تعاونات أو شراكات بإثبات أننا متميزون حقا في جانب أو مجال، ولم يكن ذلك واقعا إلا لأننا تناولناه من منظور مختلف أو عالجناه بأدوات مختلفة أو ما أشبه، والمخرجات دليل على ذلك. لذلك نحتاج إلى توسيع مفهوم إقامة مثل هذه المؤتمرات بطرح جديد في الطرح الدولي أو لم يسبق له أن يطرح في محافل مثل هذه.
في التعليم العالي بدأت المنافسة العالمية على الطلاب تحتدم بين أكبر الدول وأصغرها لأن المخرجات بدأت تثبت قوة هذه الجامعة أو تلك وغزارة الإنتاج العلمي لهذه الكلية عن تلك. فماذا أعدت لنا جامعاتنا المحلية من مفاجآت للآخرين للعرض في المؤتمر القادم الذي يبعد عنا مدة ثمانية أشهر فقط. هل هي المساحة الكبيرة أم الموقع الأفضل في موقع الاحتفال؟ هل هي المطبوعات الخاصة أم التقنية المتقدمة المستخدمة في العرض؟ هل هي النشرات اليومية أم ''الطحينية'' و''الحلاوة اللبنية''؟ لا بد أن تحرص الجامعات المحلية على أن المؤتمر القادم يعتبر محكا نمر به بعد أن أصبح لنا 100 ألف مبتعث خارج المملكة، وازداد عدد جامعاتنا ثلاثة أضعاف في وقت قياسي جدا ـــ ولله الحمد ـــ وسخرت كل الإمكانات من قبل حكومة رشيدة؛ فكان إسكان أعضاء هيئة التدريس وزيادة القبول للطلاب، إضافة إلى المنح الداخلية التي أقرها مجلس الوزراء أخيراً وأصبح لكل خريج في التعليم العام أبواب مفتوحة يختار منها وجهته وطريقه للمستقبل داخل وطنه. هذا الحجم من الإنجاز ليس إلا نموذج بسيط لما يمكن أن يسرد عما تم خلال ست سنوات فقط ولا بد أن يعكس مستوى فكريا وإبداعا غير مسبوق.
لا شك أن الوزارة تبذل الكثير من الجهود في التواصل مع الصروح الثقافية الدولية المختلفة بزيارات متبادلة عدة ومتكررة والتوقيع على اتفاقيات سنرى أثرها في القريب العاجل - بإذن الله. كما لا شك في أنها تقوم بتسهيل كثير من الإجراءات لاجتذاب دارسين من خارج المملكة عرباً أو مسلمين أو ممن يراد لهم أن يكونوا رسلا لنا في الأمم الأخرى بمجتمعاتها المختلفة. إلا أننا نتوقع مثلاً، أن تخرج علينا جامعة محلية ببرنامج عربي كامل للفهرسة وآخر في الهندسة المدنية والعمارة ومثله في حماية البيئة. ويمكن أن نرى اشتراكا مع جامعة عالمية تميزت في تصنيع مواد كيميائية للاستخدام الآدمي والتطور البيئي والصناعات المختلفة، ... إلخ. يمكن لأي من الجامعات حضور أي من التجمعات الدولية المهمة والكبيرة التي ستقام خلال الأشهر الستة القادمة وعرض بحث أو اثنين أو ابتكار جديد أو حتى ملصق Poster لعمل علمي جديد بأسلوب تقني حديث. من ناحية أخرى قد يكون للمنح التي تقدم للدراسة في أفضل الجامعات المصنفة عالميا لإثبات نظرية معينة أو قضاء فترة التدريب المكثف في إحدى كبريات الشركات العالمية في هذه الدولة أو تلك، مجال للبحث والعرض، خصوصا إذا ما أرفق بخطة طويلة المدى تثبت أن النظرة لم تعد مجرد تخريج كوادر تتحمل مسؤولية نفسها بعد التخرج.
أما في قدرة الجامعة على تبني برنامج التعليم عن بعد والبروز في التعلم الإلكتروني، فبعد موافقة خادم الحرمين الشريفين ـــ يحفظه الله ـــ أصبح الاقتصاد المبني على المعرفة واقعا ملموسا وليس مصطلحا نبحث فيه عن أطر ومحتوى. فصدور معايير ضبط العملية بأكملها سيضمن جودة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وباستكمال خططها وتطوير عناصرها فإن الوزارة وجامعات المملكة لا شك أنها ستكون المرجع الذي تبحث عنه كثير من جامعات المنطقة سواء كانت خليجية أو عربية أو حتى إسلامية، لتؤمن غطاء نظاميا وحماية تكفل لكل منتسب له تقدير شهادته سواء تخرج في جامعة حكومية كانت أو خاصة. إن المنافسة على أشدها، وأمام الوزارة أكثر من 100 طلب بافتتاح جامعات أهلية تعتبر روافد جديدة بجانب الجامعات الحكومية والأهلية الحالية تنهض معا بشباب الأمة داخليا وخارجيا، لذلك فما نتوقعه من الجامعات المحلية كبير جدا لأنها أصبحت في مركز النظر والجميع ينتظر. اللهم وفقنا وإياهم لما فيه صلاح الأمر.