هل زيادة استهلاك الكهرباء ضرورية للنمو الاقتصادي؟
هل زيادة الاستهلاك للكهرباء تقتضي النمو الاقتصادي للدول أم أن الثراء الاقتصادي يستوجب زيادة الاستهلاك؟ قد يبدو للوهلة الأولى ومن المسلمات، أن الكهرباء تلعب دورا كبيرا ومهما في الثراء الاقتصادي وأن المنظومتين متكاملتان يزودان بعضهما بعضا، وأن تساؤلات كهذه مضيعة للوقت وجدل بيزنطي عقيم من طراز تساؤلات البيضة والدجاجة. لكن الواقع قد يشير إلى غير ذلك، وهنا مربط الفرس. فعلى سبيل المثال، إن تبين أن زيادة الاستهلاك على الكهرباء سبب مباشر للنمو الاقتصادي لدولة ما فإن ذلك يستوجب عدم التركيز والحرص على ترشيد الاستهلاك على حساب نمو الطلب (كفرض زيادة التعرفة على المستهلكين على سبيل المثال) ما يؤثر سلبا في استمرارية الثراء الاقتصادي. أما إذا تم استنتاج أن النمو الاقتصادي يؤدي إلى زيادة الاستهلاك على الكهرباء، فإن تطبيق سياسات الترشيد المختلفة مهما كانت صارمة لن يؤثر كثيرا في النمو الاقتصادي للدولة.
إحدى الدراسات اللافتة للانتباه هي تلك التي قامت باختبار العلاقة بين نمط الاستهلاك الكهربائي وتنامي الرفاه الاقتصادي والقوة الشرائية لأكثر من 100 دولة مجموع ثرواتها تتجاوز 99 في المائة من إجمالي الثروة العالمية. هذه الدراسة لم تدخل في تحديد أي الطرفين "أكثر" تسببا في الآخر، واكتفت باختبار نوع العلاقة إن كانت طردية أم عكسية ومدى قوة تلك العلاقة. كانت النتيجة إجمالا وجود علاقة طردية قوية بين المتغيرين لدول العالم مجتمعة، لكن اللافت عند التركيز في النتائج الخاصة لبعض الدول فإن العلاقة كانت عكسية وقوية في ليبيا، الإمارات، السعودية، فنزويلا، قطر، وإيران على الترتيب. الجدير بالذكر أن هذه الدراسة اعتمدت دخل هذه الدول ما بين 1971 و1995، حيث انخفضت أسعار النفط في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، ما يعني لو تم احتساب الفترة الأخيرة قد تكون العلاقة أكثر إيجابية، أو بالأحرى أقل سلبية .. لكن إلى أي مدى؟
في آخر تقرير سنوي لوكالة الطاقة الدولية يتوقع أن تزيد حصة دول "أوبك" الإنتاجية من 44 في المائة إلى 55 في المائة عام 2030 من نصيب الإنتاج العالمي مع دعوات صريحة لهذه الدول بأن تستثمر لزيادة طاقاتها الإنتاجية لتلبية الطلب العالمي على النفط. بخلاف أيديولوجية هذه الوكالة التي تحمي مصالح الدول المستهلكة، إلا أن كل دلائل واستنتاجات أهل الثقة تشير إلى أن مصلحة المملكة تكمن في توفير سوق متعطشة للنفط مع الحرص على الحفاظ على أسعار متوازنة ومستقرة لضمان استمرارية الطلب العالمي. لكن المخيف أن الطلب المحلي على النفط لتوليد الكهرباء والمواصلات بدأ يتزايد على حساب جاهزية المملكة لإمداد حصتها نحو سد الطلب العالمي، خاصة أن الأسعار مدعومة بشكل كبير. فمنذ عام 2002 زاد معدل الاستهلاك المحلي للنفط من 1.63 مليون برميل يوميا إلى 2.61 مليون برميل في 2009. هذه الزيادة مستمرة في الصعود بثبات على عكس الإنتاج المتذبذب المبني على ردة فعل الأسواق العالمية، ففي عام 2002 كان معدل الإنتاج اليومي 8.93 مليون برميل يوميا وتصاعد إلى 11.11 مليون برميل يوميا في 2005 قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى 9.71 مليون برميل يوميا في 2009.
نعلم جيدا دور إيرادات الصادرات النفطية في نمو الاقتصاد السعودي عن طريق زيادة الصرف الحكومي على المشاريع التنموية المختلفة، لكن قبل أن يتم تقرير إذا ما كان قطاع الكهرباء أكثر دعما لثراء الوطن أو العكس، فإضافة إلى ما سبق ذكره، هناك عدة أمور يجب أن تؤخذ في الحسبان وهي على سبيل المثال لا الحصر:
ـ تم تصنيف المملكة من أكبر داعمي موارد الطاقة المختلفة للاستهلاك المحلي على مستوى العالم حسب وكالة الطاقة الدولية (يونيو 2010) بعد إيران وروسيا. مع العلم أن الاستهلاك الصناعي للكهرباء في إيران يفوق ضعف الاستهلاك الصناعي السعودي ولا مجال للحديث هنا عن المكانة العالمية للصناعة الروسية.
ـ سياسة الدعم هذه لم تزد من استهلاك نصيب الفرد للكهرباء من 4000 وحدة في 1990 إلى أكثر من 7600 وحدة في 2009 فحسب، بل إن النمو المتواصل في الطلب على الكهرباء في المملكة بلغ نسبة 8 في المائة سنويا، ما يشكل أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل العالمي البالغ 2.5 في المائة سنويا حتى عام 2030.
ـ التباين الموسمي للأحمال، حيث انخفاض الطلب بنسبة 40 في المائة في موسمي الربيع والخريف مقارنة بالصيف، أثر بشكل جذري في جدوى المشاريع التوسعية من الناحية الاقتصادية لمواجهة الطلب الصيفي. ورغم ذلك، فإن شركة الكهرباء أشارت في آخر تقرير لها إلى أن حجم الاستثمارات المطلوبة لمواجهة الطلب على الكهرباء 330 مليار ريال (88 مليار دولار) حتى عام 2018 مقارنة بـ 127 مليار دولار حجم الاستثمارات المطلوبة في الشرق الأوسط ككل حتى الفترة 2015 (وكالة الطاقة الدولية).
ـ النفط والغاز يشكلان المصدر الوحيد لتوليد الكهرباء في المملكة حتى الآن. في حالة عدم تطبيق سياسة تنويع مصادر وقود توليد الكهرباء فإن الطلب على الموارد النفطية وربما الغازية سيتضاعف ثلاث مرات عن المعدلات الحالية عام 2032، في حين أن الاستهلاك العالمي للنفط لغرض توليد الكهرباء سينخفض من 6 في المائة عام 2007 إلى أقل من 2 في المائة في 2030.
لا شك أن حجم دعم الدولة لموارد الطاقة عموما يمثل سخاء منقطع النظير، فاهتمام الدولة بالمستوى المعيشي للمواطنين كافة يشكل أولوية قصوى للقادة سواء للأفراد العاديين أو الصناعيين أو التجار. لكن لماذا رغم كل هذا الدعم السخي يواجه قطاع الكهرباء تحديات معقدة وغير مسبوقة حيث لم يعد باستطاعته تلبية احتياجات المستهلكين كافة؟
قطاع الكهرباء اليوم يمثل منظومة متقادمة ومستهلكة لموارد الدولة، ورغم ذلك تسبب في خسائر كبيرة لعدد من المستهلكين الأفراد والصناعيين والتجار. هل ما زال من الممكن تحويل قطاع الكهرباء إلى منظومة منتجة وقادرة على تدبير مصروفاتها ومن ثم تلبية حاجة المستهلكين كافة باعتمادية وموثوقية عالية؟