رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الوافدون والبطالة بين المواطنين

في إحدى مدارس البنات الأهلية يعمل الكثير من الوافدات في حين ترفض طلبات مواطنات حديثات التخرج، وعند سؤال إحدى النساء ممن تدرس بناتها في هذه المدرسة عن سبب ذلك كانت إجابة مديرة المدارس أنهن حديثات تخرج ولا يجدن التدريس، وعندما جربنا عملهن كانت شكاوى أولياء الأمور كثيرة من ضعف مستوى التدريس مقابل ما يتقاضينه من مبالغ كبيرة، بينما الوافدات لهن خبرات طويلة، الأمر الذي يمكنهن من تعليم البنات بكفاءة عالية ترضي أولياء الأمور، وهنا السبب الخبرة.
شركة استشارات إدارية وتدريب يبحث صاحبها عن مدير لها خارج البلاد بعد أن عجز عن الحصول على مواطن متخصص ذي كفاءة عالية لأن المواطنين الأكفاء في هذا المجال كلهم يعملون في وظائف مرموقة أو لديهم تجارتهم الخاصة، وهنا المشكلة مشكلة ندرة. وشركة مقاولات تبحث عن عمالة مهنية في الهند والفلبين وباكستان وبنجلادش وغيرها، ولا تبحث في بلادنا لأن المهن غير مناسبة للسعوديين من حيث رفضها اجتماعيا ومن حيث ضعف الراتب لأن المناقصات تعطى للأقل عرضا، وهنا المشكلة اجتماعية ومشكلة أنظمة.
مواطنون يخسرون في أنشطة تجارية بسيطة مقابل الوافدين لأن الوافدين يرضون بالقليل من الربح الذي يتناسب وتكاليف المعيشة في بلادهم، ويعملون لساعات طويلة لأنهم متفرغون للعمل دون أي التزامات اجتماعية وهؤلاء لديهم إقامات حرة اشتروها من تجار الإقامات ويدفعون مقابلها دفعات شهرية أو سنوية، وهنا المشكلة نظامية وتنظيمية وثقافية .. وهكذا أسباب متعددة تمكن الوافد من الحصول على الفرص الوظيفية في بلادنا مقابل جلوس الكثير من أبنائنا دون عمل.
والسؤال: هل أخذ الوافدون الفرص الوظيفية من المواطنين؟ والإجابة بكل تأكيد: لا ثم لا إلا في حالات قليلة، فالغالبية من الفرص الوظيفية التي يعمل فيها الوافدون لا يعمل فيها المواطنون لأسباب كثيرة، من الأسباب التي ذكرتها في بداية المقالة كأمثلة، ولولا أن يشغل الوافدون هذه الوظائف لعانينا الكثير الكثير فتخيلوا من يعمل في إعمار المساكن والبنى التحية وشركات النظافة وفي مهنة خدم وسائقي المنازل. وهذا من ناحية المهن البسيطة، وأيضا تخيلوا من يعمل في الوظائف والمهن التي تتطلب خبرات نوعية وتخصصات نادرة، وبالتالي فإن الوافدين ضرورة لا بد منها وهم شركاء لنا في التنمية، وعلينا ألا نرمي مشاكلنا عليهم وكأنهم سراق لوظائفنا وأموالنا فنحن لا نعطي مالا لوجه الله بل نعطي مالا مقابل عمل.
تقول بيانات وزارة العمل إن البطالة هي في حدود 10 في المائة وكلنا يعلم أن الحجم الأكبر من البطالة هي بين النساء، وجميعنا يعرف أن الأسباب الثقافية والدينية تشكل السبب الأكبر أمام عمل المرأة، إضافة لدورها الكبير في إجبار الأسر على اللجوء للسائقين الأجانب الذين يصلون لنحو 800 ألف سائق تقريبا، وبالتالي علينا أن نتجه لحلول منطقية وعقلانية لمشكلة البطالة تستند إلى تشخيص علمي للمشكلة قائم على تحليل يستخدم أحدث منهجيات التحليل الدقيق، وعلينا أن نبتعد عن الطرح العاطفي لمشكلة البطالة وتوجيه أصابع الاتهام للوافدين بأنهم السبب وراء ذلك وتأليب الرأي العام ضدهم وضد من يستقدمهم رغم أننا في حاجة ماسة لهم ولخدماتهم.
نحن بلد النصف مليون مولود سنويا، ونحن بلد خرجنا هذا العام أكثر من 300 ألف طالب من الثانوية العامة استقبلتهم الجامعات والمعاهد وبرنامج الابتعاث الخارجي، ونحن بلد الشباب الباحث عن العمل، ولدينا أعداد كبيرة من المواطنين القادمين لسوق العمل من الجنسين، وعلينا أن نجد لهم الوظائف وعلينا أن نغير الثقافة السائدة تجاه العمل، وعلينا أن نطور الأنظمة والتشريعات لدعم العمالة الوطنية، وعلينا أن نهيئ لهم المناخ التنافسي الأمثل كي يفوزوا بما يولده اقتصادنا الكبير من فرص استثمارية وأخرى وظيفية وإلا ذهبت النسبة الأكبر للوافدين؛ وعندها أقولها بكل صراحة .. يجب ألا نلوم الوافدين وعلينا أن نلوم أنفسنا.
كفانا إبر التخدير التي نخدر بها المواطن، حيث نركز له على طرح المشكلة وأسبابها وتحميل الوزر الأكبر للوافدين ونحسدهم على ما هم فيه، متناسين أن الوافدين لم يأتوا لبلادنا إلا بتأشيرات أصدرها مواطنون، نعم علينا أن نتحول للتركيز على الحل سواء ما يجب أن تقوم به الأجهزة الحكومية المعنية، أو ما يجب أن تقوم به الأجهزة التثقيفية والتوعوية، أو ما يجب أن يقوم به المواطن من جهود لاغتنام الفرص استثمارية كانت أو وظيفية، إذ عليهم ألا يلعنوا الظلام بقدر ما عليهم أن يوقدوا الشمعة التي يهتدون بها إلى الطريق السليم.
نعم أعرف شخصيا عددا من المواطنين الذين تركوا لغة الشكوى والتذمر وتوجهوا للعمل ووصلوا ـــ ولله الحمد ـــ إلى ما يصبون إليه بالبحث والتفكير والصبر والإصرار، ومنهم من أصبح من أصحاب الأعمال المتوسطة في فترة وجيزة بعد أن اغتنم الكثير من نقاط القوة التي يتمتع بها كمواطن والفرص التي تتيحها الدولة سواء تعليمية أو فرص دعم من البنوك التنموية والجمعيات الداعمة كصندوق المئوية.
ختاما: ونحن في شهر رمضان شهر العمل كما هو معروف في شريعتنا أرجو أن نتخلى جميعا عن لغة العواطف والتوجه للغة العقل والعمل على إيجاد حلول منطقية لمشكلة البطالة بين المواطنين بالتصدي لأسبابها وقلعها من جذورها دون محاباة أو مجاملة لأحد مهما كان، وكلي ثقة بأن الجهود التكاملية المدروسة ستصل بنا إلى النتائج المرضية إذا خلصت النيات وتجاوزنا المجاملات والسكوت عمن هم فوق النظام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي