إنسانية القصيبي
غازي القصيبي من القلائل الذين استطاعوا توظيف أقلامهم من أجل الإنسان. ليس صعبا أن تجد هذا الحس الإنساني يتبدى في مختلف كتاباته. خاصة الكتابات الشعرية والروائية، فهو من خلال شخوصه وكلماته يصوغ إنسانا في كل حالاته: السعيدة والحزينة وأحيانا الشريرة أيضا.
أصر غازي القصيبي أن يكون إنسانا شفافا حتى آخر لحظة من لحظات حياته. كنت بالأمس أقرأ خبرا عن كتابه الجديد الذي سيصدر في غضون أيام قلائل تحت اسم "الزهايمر". بينما كانت الرسالة التي وصلت إلى هاتفي تنعى معالي الوزير.
يسرد غازي القصيبي في هذا الكتاب قصة زوج أصيب بالزهايمر، وقرر الذهاب إلى المصحة عقب نسيانه اسم العطر الذي تعود أن يهديه لزوجته في ذكرى زواجهما. في المصحة بقي الرجل يكتب رسائل لزوجته، وصلت إليها في أعقاب وفاته.
مرض الزهايمر الذي تناوله الدكتور غازي القصيبي في آخر إصداراته يمثل حالة من الحالات الإنسانية التي تتزايد في مجتمعنا. والتقاط الرجل لفكرة الموضوع تعكس ما أشير إليه من تشرب نفسه بالحس الإنساني. مجتمعنا في حاجة إلى أفراد يحملون مثل هذه الهموم ويتطوعون من أجل مساندتها. أظن أن رواية غازي القصيبي ستلفت الأنظار إلى هذه الفئة التي أعطت للمجتمع والوطن، وهي الآن تحتاج إلى من يساندها ويكون قريبا منها.
نظرة غازي القصيبي الإنسانية، تتجسد في كثير من كتاباته التي يقدم من خلالها نظرة واقعية لا تغرق في التنظير المثالي. ومن أرقى صور الإنسانية، أن يكون الإنسان حفيا بوطنه وبأبناء وطنه. وخلال أزمة الخليج واحتلال الكويت التي مرت ذكراها مطلع شهر آب (أغسطس) غدت قصائد غازي القصيبي أناشيد وطنية تتردد في كل مكان لتؤكد متانة اللحمة في وطن شكلت وحدته الأنموذج الباهي، فنحن الحجاز ونجد. كانت تلك الأغنية واحدة من الصفعات التي وجهها الدكتور غازي القصيبي لمن يكنون العداء لهذه البلاد ولوحدتها. اللهم اغفر لعبدك غازي القصيبي، وأسكنه فسيح جنانك.