رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عبثية المفاوضات وجدية المستوطنات

لا بُدَّ أن كثيرين منا تابعوا ما يدور هذه الأيام على الساحة الفلسطينية من هرج ومرج حول إجراء محادثات غير مباشرة تتبعها محادثات مباشرة بين ما تبقى من الهيكل الفلسطيني المتداعي والعدو الصهيوني المتغطرس، تحت ضغوط على الطرفين من جهات لها مصالح مُتناقضة، والضحية الشعب الفلسطيني الذي يُعاني نكسات داخلية أخطر على مستقبله من مُخططات عدوه الشرس. لقد فقد هذا الشعب المُبتلى كل مقومات الاستقلال، فلا أرض ولا زعامة ولا منافذ ولا دخل ولا تعليم مُنتظما ولا حقوق مدنية ولا بنية تحتية ولا مستقبل واعدا ولا جمع شمل ولا وثائق رسمية، بل إهانات يومية وطرد من مكان إلى آخر وزج في السجون من دون محاكمة وتجويع حتى الموت والعالم ساكت! يا إلهنا ما الحيلة التي عليهم أن يلجأوا إليها وهم على هذه الحال، مُكبلين بالقيود ومقفلة أفواههم فلا يستطيعون رفع أصواتهم من أجل الاستغاثة، ولو استطاعوا لما وجدوا من يستمع إليهم إلا رب العالمين الذي لا يُخيِّب الدعاء، وهو القائل جلَّ شأنه: "ادعوني أستجب لكم".
وهذه المفاوضات التي يتحدثون عنها ما هي إلا خدعة، أو كما يُقال، كلمة حق يُراد بها باطل فأمريكا، ممثلة في رئيسها باراك أوباما كان قد قطع عهداً على نفسه خلال انتخابات الرئاسة الأخيرة التي فاز بها، أن يُصلح ما بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين المحتلة. قالها وهو في الغالب لا يُدرك مدى تعقيد القضية, ولما بدأت محاولاته اليائسة لتقريب وجهات نظر الطرفين وجد أنه في واد والصهيونية العالمية في واد آخر، ولم يستطع عمل أي شيء، حتى مجرد توقيف مؤقت لبناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية فحاول المسكين، من باب حفظ ماء الوجه، أن يجمع بين طرفي النزاع ولو من وراء جُدُر ولم يُفلح فاضطر إلى الاستعانة ببعض الزعامات العربية وغير العربية الذين استجابوا لندائه على استحياء من شعوبهم ومن المجتمع الدولي الذي لا يرى فائدة من مثل هذه التحركات الكاريكيتية. ويزيد تعنُّت دولة العدوان بأن تُصر على الاستمرار في بناء المستوطنات أينما شاءت وطرد مواطني القدس من منازلهم متى ما أرادت. وتقول إنها تقبل ببدء محادثات غير مشروطة، وهو تعبير تعجرفي، ويعني ليس لدينا ما نفاوض عليه, فالفلسطينيون يعيشون على أراض مُقسَّمة دون مرافق ولا مياه كافية, وإذا لم يعجبهم الوضع فليس في مقدورهم ولا في استطاعتهم عمل أي شيء.
وما الذي نتوقع أن يحصل عليه شعب حكم عليه زعماؤه قبل غيرهم بالموت البطيء، ومعظمهم بجلالة قدرهم يعيشون حياة ترف بعيدين عن هموم الأمة؟ انتظروا ما تسفر عنه الجلسات الأولية بين مندوب المهرج الكبير نتنياهو والمفاوض الفلسطيني, فالنتيجة معلومة سلفاً لكل منْ له عقل سليم، لا شيء على الإطلاق، لأن النوايا الطيبة من جانب عناصر الصهيونية مفقودة. وما الذي يحدهم على التفاوض، والتفاوض يصحبه تنازل، وهم ليس في قاموسهم شيء اسمه التنازل؟ ولماذا يتنازلون عن أي موضوع وهم يعلمون علم اليقين أن الوقت يسير لمصلحتهم، لأنهم الآن يعملون ما يشاءون دون حسيب أو رقيب ويتصرفون في مصير الشعب الفلسطيني وكأنهم موكلون بمسحه من الوجود. نعم مرور الوقت يزيد من محنة الأمة الفلسطينية ويجعل الأمور أكثر تعقيداً، لكن الحل ليس في الجلوس على طاولة المفاوضات من موطن ضعف مع وجوه غادرة لا تريد السلام, فنحن نعلم أنه العدو الأول لإسرائيل، لأن السلام ينقل معركة الوجود إلى صراع داخلي بين الفئات المتطرفة والليبراليين، وهو ما سيقضي على الحكم اليهودي الصهيوني في فلسطين.
ونقول قاتل الله أولئك المجرمين الذين من غير ما هداهم الله قدموا فلسطين على طبق من ذهب هدية للصهيونية العالمية عندما كان لدى الأخيرة اختيارات أخرى في قارة إفريقيا، ولا أحقر من إنسان يُعطي مما لا يملك. وحتى لو افترضنا أن أولئك الاستعماريين كانوا يريدون التخلص من اليهود بأي طريقة كانت ودفعهم إلى الهجرة إلى مكان بعيد عنهم، فلم يكن من حقهم أن يُنزلوهم في أرض فلسطين المأهولة بالفلسطينيين منذ آلاف السنين، واستغلالهم الظروف السيئة التي كانت عليها حال الدول العربية والإسلامية من الضعف وفقدان الإرادة، حيث كانت معظمها آنذاك ترزح تحت نير الاستعمار الغربي.
وهل من المعقول ألا تعلم زعامة الشعب الفلسطيني ما يدور في رؤوس نتنياهو وليبرمان وبقية أركان ما يُسمى الحكومة الإسرائيلية تجاه حقوق الفلسطينيين التي يطالبون بها؟ هم في واقع الحال لا يعترفون بأن للفلسطينيين حقوقا, فكل أرض فلسطين وما فوق وتحت أرض فلسطين في نظرهم تعود ملكيته إلى اليهود، شاء منْ شاء وأبى منْ أبى. هذا هو الواقع الآن، وهذا هو الذي سيُفرغ أي مفاوضات في الوقت الحالي من مضمونها. كلنا نشاهد تصرفات حكومة نتنياهو غير المسؤولة وغطرسة وُزرائه، ليس فقط تجاه الشعب الفلسطيني، بل أيضا تجاه منْ يُحسبون في مصاف أصدقاء إسرائيل أنفسهم. ولا أدل على ذلك من جرأة الجيش الصهيوني على قتل المواطنين الأتراك العُزل على سفينة الحرية بدم بارد، حيث لم يكن واحد منهم يحمل أداة قاتلة. هل هذه أمة تُؤتمن على أي شيء؟ ألم يكن بإمكانهم إيقاف حركة السفينة وتعطيل سيرها دون الحاجة إلى الصعود إلى ظهرها وقتل ركابها؟ وماذا لو كان الذي حدث هو العكس، والمقتولون هم من الإسرائيليين؟ حتماً ستقوم الدنيا وما تقعد وستهب دول كبرى وصغرى وستمتلئ السماء بطائرات من دون طيار لتقذف المدنيين بحمم الموت، كما يفعلون مع الأبرياء في أفغانستان وباكستان, وغداً ــ لا قدر الله ــ مع عربستان! وماذا نرجو من حكومة صهيونية تتسلح بجميع أنواع الدمار الشامل وتستنكر على جيرانها امتلاك أدنى مستوى من أسلحة الدفاع عن النفس؟ فلا بُدَّ أنكم سمعتم ذلك التصريح الغريب من إنسان مُتغطرس، وهو وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي يستنكر فيه، فُض فوه، السماح للبنان بتملك أسلحة دفاعية! ما الذي يقصده هذا المتعجرف بدعوته إلى نزع سلاح الجيش اللبناني؟ هل يُريد أن يسرح ويمرح داخل أراضي الجيران ولا أحد يتعرض له؟ تُبًّا لك ولقومك، وانتظروا دوركم عند ما تدور عليكم الدوائر، ولم يدم العز للصالحين فيدوم للطالحين أمثالكم.
ونصيحتنا لإخواننا في فلسطين أن كفوا عن عبث المحادثات والمفاوضات مع عدو مستهتر يعمل ليل نهار على إهانتكم والحط من قدركم ويعيث فساداً على أرضكم. وإذا جلسوا معكم فبقلوب حاقدة ونيات فاسدة وكره أعمى لكم ولأجيالكم. وسيأتي ـــ إن شاء الله ـــ اليوم الذي تفرضون فيه عليهم إرادتكم وتستردون ما نُهب من حقوقكم وهم صاغرون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي