رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أسرار نجاح مراكز الخصومات الدائمة «محال أبو ريالين»

تحذر بعض مؤسسات الدولة من مغبة التعامل مع محال الخصومات الدائمة التي تعارفنا على تسميتها محال «أبو ريالين», المنتشرة في أغلبية المدن السعودية, بحجة أنها لا تخضع لمعايير الجودة الدولية، والمواصفات والمقاييس السعودية، وأن مستلزماتها تحوي أصباغا ومواد خطرة على صحة الإنسان والبيئة، وأن القيمة التي يدفعها المستهلك لا تعادل منفعتها. هذا التحذير يجعلنا نتساءل: طالما أن هذه الجهات الرسمية على يقين من رداءة سلع هذه المحال ولديها مثل هذه المعلومات, وتهمها بالفعل صحة الإنسان ومصلحة البيئة, فلماذا تسمح لها بأن تجوب أطوال البلاد وعرضها؟
مراكز «أبو ريالين» لا تعمل في الظلام، ولا في السوق السوداء، وتمارس عملها بعد حصولها على تصريح بمزاولة النشاط مصادق عليه من عدة وزارات وهيئات، وتسدد رسومها النظامية للبلدية، والغرفة التجارية والزكاة والدخل، وتتبع شروط الدفاع المدني والوقاية الصحية والبيئية، وتقوم بممارسة أعمالها التجارية من بيع، شراء، تخزين، وتأمين في وضح النهار .. فلماذا تقوم بعض الجهات بالتشكيك في جودة سلعها طالما لديها القدرة على سحب الترخيص وإجراء العقوبات النظامية من الغرامة المالية ونحوها؟
ولو كنت مالكا لأحد هذه المراكز لما ترددت في رفع دعوى قضائية أشكو فيها من يمنحني الترخيص باليد اليمنى وينشر التقارير غير الموثقة باليد الأخرى. والعجب كل العجب أن هذه الجهات ليست شركات منافسة لمحال «أبو ريالين» ولا جمعيات أهلية تدافع عن حقوق المستهلكين, بل منشآت حكومية مهمتها الأساسية الإشراف على تحقيق العدالة بين طرفي الصراع في الأسواق - المستهلك والشركات- وليتها تدع هذا التحريض وتركز جهدها في مهمتها الأساسية, فذلك خير لها ولنا.
حتى نثبت للرأي العام براءة محال الخصومات الدائمة «أبو ريالين» من كل ما ينسب إليها، سنلقي قليلا من الضوء على الكيفية التي انتشرت بها هذه المراكز ليس في بلادنا فحسب, بل في العالم أسره. نريد أن نتعرف على أسرار نجاح هذه المراكز وكيف أصبحت تنافس عمالقة الشركات وتناطح كبريات العلامات التجارية (الماركات) تستفزها, وقد تسحقها وتطردها من السوق ذليلة وهي صاغرة عن طريق اللعب ببراعة بأحد مكونات المزيج التسويقي ألا وهو «التسعير»؟
يطلق على محال الخصومات الدائمة «أبو ريالين» في بعض الدول «دولار تري» Dollar Tree أو «فاميلي دولار» Dollar Family, وأحيانا تأخذ لقب «ون ناينتي ناين» One Ninety Nine. ورغم اختلاف أسمائها من دولة إلى أخرى إلا أنها تمارس السياسات نفسها وتتبع الاستراتيجيات ذاتها.
تتخذ مراكز الخصومات الدائمة «أبو ريالين» السعر كمبدأ أساسي لزيادة حصتها في السوق عن طريق وضع عين فاحصة على هيكل التكاليف الثابتة والمتغيرة، وتستمر في تحميل أقل الأسعار إلا أنها تجني أعلى الأرباح بسبب جذب أكبر قدر من المشترين, الذي تنتج عنه زيادة هائلة في المبيعات. وبهذه الطريقة تتمكن من سحب البساط تدريجيا من تحت عمالقة شركات التجزئة التي تركز على وظائف المزيج التسويقي بأكمله كالإعلان، الضمان، التغليف، الائتمان، وتلميع العلامة التجارية, وبذا فإن تركيز محال «أبو ريالين» على السعر كمبدأ أساسي يجعلها تخوض حرب أسعار صامته لا تعلم عنها شركات التجزئة العملاقة حتى ترى نفسها خارج اللعبة وقد تقلصت حصتها في السوق, فليست هناك ضربة في خاصرة أي شركة أقوى من تخفيض السعر. وعملية التحكم في التكاليف ليست بالأمر السهل, فهي تحتاج إلى إدارة متمرسة، وقياس دقيق وتنبؤ حذق.
إضافة إلى السيطرة على التكاليف تقوم محال «أبو ريالين» بممارسة الشراء القياسي بكميات كبيرة جدا تراعي ـ ما أمكن ـ الجودة المطلوبة, وذلك على عكس ما يروج عنها بأنها تجني أرباحها من بيع السلع الرديئة. نعم قد لا تركز على الجودة العالية, لكن هذه سجية أغلبية شركات التجزئة التي تسعى إلى الجودة المطلوبة وليست العالية, كي توافق المقاييس والمواصفات الدولية.
كما أنها تتحاشى زيادة المصروفات التسويقية التي يبالغ فيها بعض شركات التجزئة، فعلى سبيل المثال: لا تنفق كثيرا على الدعاية والإعلان, وتعتمد في نقل الخبر على كلام الناس, وترى أن مجرد كتابة اسم مراكز الخصومات الدائمة «أبو ريالين» أو «يا بلاش»، أو أي جملة توحي بالسعر المنخفض في لوحة تتوسط المدخل الأمامي للمحل تكفي لنشر الرسالة الإعلانية بين شرائح المستهلكين, وهذا الأسلوب أسرع وأوفر من حملة إعلانية تكلف الملايين.
الخاصية الأخرى هي بناء علاقات قوية مع المستهلكين في الخارج ومع العاملين في الداخل، فمحال الخصومات الدائمة قريبة جدا من العملاء, تعرف ما يدور في حياتهم, وتتحسس همومهم وتقدر دخولهم, كما أنها أكثر قربا من العاملين لدرجة أن البعض قد يشاركها الأرباح وتوزع الأسهم المجانية كحوافز لكل من يثبت بطولته في خدمة العملاء.
ورغم تبنيها الطريقة الدافئة مع العملاء والعاملين إلا أن لديها طريقة باردة, لكنها محسوبة, في التعامل مع الموردين. إنها تتعامل مع الموردين بقسوة بسبب آلياتها الفريدة في عصر الأسعار. يقول نائب الرئيس للتسويق في أحد محال التوريد في الولايات المتحدة الأمريكية عن مندوبي محال الخصومات الدائمة «إنهم يستخدمون قوتهم الشرائية بشراسة ويفاوضون على السعر بدهاء وحنكة، وإذا لم تكن مستعدا تماما عندما تأتي إليهم، فإنك ستجد رأسك قد وضعت بين قدمك», وأضاف «إن طريقتهم في عصر الموردين بهذه القسوة قد تقود بعضنا إلى الخروج من السوق, فمن أراد أن يبقى فما عليه سوى العمل وفقا لهواهم».
وبعد عرض هذه الحقائق نريد من بعض الجهات أن تكف عن تشويه سمعة محال «أبو ريالين» وتبتعد عن إلصاق التهمة والتشكيك في النية واتهامها بخرق القوانين وخطرها على الصحة والبيئة, فكل ما تفعله ببساطة لا يخرج عن السيطرة على التكاليف، وتخفيض المصروفات، وبناء العلاقات, فكل نقص في التكاليف يعني زيادة مباشرة في الأرباح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي