هل الاستثمارات السعودية بحاجة لرؤية جديدة؟

أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ''أونكتاد'' منتصف الشهر الماضي تقريره السنوي، بعنوان ''تقرير الاستثمار العالمي 2010'', هدف التقرير إلى تسليط الضوء على حركة النشاط الاستثماري حول العالم، وأداء الاستثمارات المباشرة للاقتصادات النامية والانتقالية خارج منظوماتها الاقتصادية، ودور هذه الاستثمارات في تنمية الاقتصاد العالمي.
من ضمن ما حمل التقرير في طياته إجابات محتملة لمجموعة من التساؤلات المتداولة في الأوساط السعودية في الوقت الراهن حول وجهات الاستثمارات السعودية في الخارج وأدائها. تتمحور معظم هذه التساؤلات حول مدى متانة مقاومة الاستثمارات السعودية في الخارج للانعكاسات السلبية للتطورات في النظام المالي العالمي الذي نعيش آثاره كل يوم، ومدى جدوى سياساتها الاستثمارية وإدارة المخاطر في المحافظة على القيمة السوقية للاستثمارات السعودية في الخارج.
أوضح التقرير في مجمله تراجعا طفيفا في حجم الاستثمارات السعودية في الخارج خلال 2009 بعد سلوك حجم هذه الاستثمارات الاتجاه التصاعدي خلال الأعوام الثلاثة السابقة 2008، 2007، و2006. وعلى الرغم من تذبب حجم الاستثمارات السعودية في الخارج خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، إلا أن أحجامها وأداءها خلال الـ 25 عاما الماضية لم يتوافق وحجم التطلعات.
يثير تباين حجم وأداء الاستثمارات السعودية في الخارج طوال الـ 25 عاما الماضية عديدا من التساؤلات، ليس حول السبب وراء تواضع الحجم والأداء فحسب، إنما حول الوجود الفعلي لرؤية واضحة واستراتيجية فاعلة لدى الاقتصاد السعودي لتطوير كل من دور الشركات القيادية السعودية، وسياسات التكامل والتوازن في هذا الجانب، ولا سيما عند تباين العرض والطلب على الصادرات السعودية الاستراتيجية خلال الفترة الزمنية المقبلة.
''الأونكتاد'' هي إحدى الهيئات المنبثقة من الأمم المتحدة والمنوط بها تطوير العملية التكاملية للتجارة والتنمية وجميع الموضوعات ذات الصلة بالمجالات المالية والتقنية والاستثمارية والتنموية المستدامة بين أعضاء الأمم المتحدة.
دأبت ''الأونكتاد'' على إصدار مؤشر لقياس أداء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات 128 دولة، تراوح درجة تقدم اقتصادات هذه الدول بين متقدمة، وانتقالية، وناشئة. يسمى هذا المؤشر مؤشر أداء الاستثمارات المباشرة الخارجية.
أُطلِق المؤشر في عام 1991 لقياس أداء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام 1991 (1988 ـ 1990). هدف المؤشر إلى الاعتماد على فترة ثلاثة أعوام، عوضا عن عام واحد، وذلك لإعطاء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة الوقت الكافي للدخول في المنظومات الاقتصادية الأخرى، وإظهار انعكاساتها على نمو منظومتها الاقتصادية.
استمرت ''الأونكتاد'' بعد ذلك بإصدار المؤشر بشكل سنوي منذ ذلك التاريخ إلى اليوم بحيث يقيس كل إصدار معدل أداء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام الإصدار. يتبع هذا القياس ترتيب اقتصادات الـ 128 دولة ترتيبا تنازليا بناءً على درجة كفاءة استثماراتها الخارجية من الأكفأ (المركز الأول) إلى الأقل كفاءة (المركز 128).
من الأهمية بمكان قبل النظر في كفاءة أداء الاستثمارات السعودية في الخارج النظر إلى منهجية المؤشر في قياس كفاءة الأداء. يتكون المؤشر من نسبتين، النسبة الأولى الاستثمارات الخارجية، والنسبة الأخرى إجمالي الناتج المحلي.
يتم حساب النسبة الأولى عن طريق قسمة قيمة الاستثمارات الخارجية إلى القيمة الإجمالية للاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة. كما يتم حساب النسبة الثانية عن طريق قسمة إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد المحلي إلى إجمالي الناتج المحلي لاقتصادات الـ 128 دولة, يتم بعد ذلك حساب المعدل لفترة ثلاثة أعوام متعاقبة.عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أكبر من واحد، فهذا يعني أن استثمارات الاقتصاد المحلي الخارجية كبيرة مقارنة بحجم الاقتصاد المحلي. والعكس صحيح عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أقل من واحد, أما عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أقل من صفر (سالب)، فإن هذا يعني أن كفاءة استثمارات الاقتصاد المحلي الخارجية متواضعة لدرجة لا يمكن أن تؤثر في اقتصادات الدول الـ 128، ناهيك عن الاقتصاد العالمي.
نستنتج عديدا من الملاحظات المهمة عندما ننظر إلى أداء الاستثمارات السعودية الخارجية خلال الـ 17 عاما الماضية (1988 ـ 2007):
1. بلغت الاستثمارات السعودية الخارجية أفضل حالاتها خلال 1988 ـ 1990 عندما احتل الاقتصاد السعودي المرتبة الـ 26 من بين الـ 128 دولة وسجل المؤشر معدل 0.532.
2. واجهت الاستثمارات السعودية الخارجية أصعب تحدياتها خلال 2001 ـ 2003 عندما احتل الاقتصاد السعودي المرتبة 107 من بين الـ 128 دولة وسجل المؤشر معدل 0.005.
3. لم يتعدّ مؤشر الاستثمارات السعودية الخارجية الرقم واحد منذ نشأة المؤشر حتى اليوم.
4. اتسمت الاستثمارات السعودية الخارجية بالنمو والاستدامة منذ 2002 حتى اليوم عندما تقدمت من المرتبة 107 خلال 2001 ـ 2003 إلى المرتبة الـ 41 خلال 2005-2007م، وسجل المؤشر معدل 0.494.
5. سجلت الاستثمارات السعودية الخارجية أداءً سلبيا خلال 1989 - 1992 عندما انخفض المؤشر دون الصفر عند معدل 0.192- واحتل الاقتصاد السعودي المرتبة الـ 105.
الاستثمارات السعودية الخارجية التي أوردها تقرير ''الأونكتاد'' هي بكل المعايير القياسية متواضعة مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي, حيث ذكر التقرير مجموعة من الاستثمارات السعودية في مجال الصناعات النفطية في الصين والهند وإفريقيا، وفي مجال الصناعات البتروكيماوية في أوروبا. لم يذكر التقرير بطبيعة الحال استثمارات القطاع المصرفي السعودي في الخارج، عطفا على استثناء المؤسسات المالية والمصرفية من التقرير.
نخلص مما تقدم إلى أن تواضع أداء الاستثمارات السعودية في الخارج لا يدل على تدني كفاءتها بقدر ما يدل على تسارع حدة المنافسة بين الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة. وفي ظل زيادة حدة المنافسة فإنه من الأهمية التأكيد على أهمية الإسراع في إعلان رؤية واضحة واستراتيجية فاعلة للمنافسة العالمية يحدد فيها الدور الذي يجب أن تؤديه الشركات القيادية السعودية في حفظ توازن الاقتصاد السعودي وتكامله، ولا سيما أن الاقتصاد السعودي يوشك أن يكمل عامه السادس تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، وبعد أيام من اكتمال عملية فتح قطاعات: التأمين، المصارف، والاتصالات للاستثمارات الأجنبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي