رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رمضان وبناء الأصول الرأسمالية الخيرية المنتجة

''ضربتين بالرأس توجع'' مثل شعبي معروف، وهذا ما حصل مع العمل الخيري في بلادنا، فالضربة الأولى جاءت نتيجة الحرب على الإرهاب، حيث يخشى المحسنون الوقوع في المحظور، ودعم الجماعات الإرهابية من حيث لا يشعرون، ما جعلهم يطبقون المقولة المشهورة ''باب يجي منه الريح سده واستريح''. أما الضربة الأخرى فجاءت من الأزمة المالية، حيث شحت السيولة في أيدي المحسنين ما جعلهم يخفضون إنفاقهم في المجال الخيري للتصدي لالتزامات أنشطتهم التجارية والشخصية.
يشعر بأثر هاتين الضربتين بشكل بالغ القائمون على الجمعيات الخيرية والعاملون فيها من ناحية، والمستفيدون من خدمات هذه الجمعيات من ناحية أخرى، حيث انخفضت قدرات الجمعيات الخيرية على النهوض بمهامها بشكل كبير نتيجة ضعف الموارد المالية. ويتحدث كثير من العاملين في الجمعيات الخيرية عن تغير شديد في نفسيات المحسنين، خصوصا من الميسورين الذين تتكالب عليهم الجمعيات لدعمها حتى أصبحنا محرجين من مخاطبتهم، لكن لا بديل في ظل معاناة المستفيدين الذين نعمل على انتشالهم مما هم فيه من ضيق قد يدفعهم إلى سلوكيات تضر بالمجتمع والوطن، فضلا عما يلحقونه بأنفسهم من ضرر.الأميرة سارة بنت مساعد بن عبد العزيز رئيسة مجلس إدارة جمعية ''مودة''، التي تُعنى باستقرار الأسرة السعودية وصحتها، وتهدف إلى خفض نسب الطلاق والحد من آثاره السلبية. وفي تصريح لها نشر في منتصف حزيران (يونيو) الماضي في الصحف المحلية قالت، موضحة إذا ما كانت جمعية مودة قادرة على الصمود في وجه التحديات والنهوض برسالتها في ظل شح الموارد وظروف الأزمة المالية القائمة، وخشية المنفقين من التورط في تمويل الإرهاب. إن ذلك ممكن في إطار مفهوم التكافل الاجتماعي وبرعاية كريمة من قادة البلاد ـ حفظهم الله ـ إضافة إلى الخيرين من أبناء ومؤسسات المجتمع السعودي الذين بلغت مسـاعداتهم وإسـهاماتهم كل مناحي الخيـر والبـر محلياً وعالمياً. وشددت على أن جمعية مودة توفر للمحسنين من أفراد المجتمع كافة قناة خيرية آمنة وفاعلة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. ما قالته الأميرة سارة يشي بأن مسألة الخوف من التورط في تمويل الإرهاب تم تجاوزها من خلال إيجاد قنوات خيرية آمنة وفاعلة تلقى دعما من قادة البلاد ـ حفظهم الله ـ وهو ما أعتقد أننا نجحنا فيه نجاحا ملحوظا، حيث يمكن التبرع لجمعيات خيرية متعددة يرأسها ويشرف على أعمالها شخصيات موثوقة من الأمراء وأعيان المجتمع.
وإذا قلنا إننا تجاوزنا موضوع الخوف من التورط في الإرهاب، فإنه يبقى موضوع الآثار السلبية للأزمة المالية التي جعلت كثيرا من الميسورين يقللون حجم إنفاقهم الخيري نتيجة انخفاض ثرواتهم وشح السيولة في أيديهم، فضلا عن تعثر بعضهم .. فما الحل لتجاوز هذه المشكلة؟
أعتقد أن حلولا ذكية تشارك فيها الحكومة للخروج من مأزق الأزمة المالية وآثارها السلبية في قدرات الجمعيات الخيرية على النهوض بمهامها المهمة والحيوية، بل الضرورية، باتت مطلوبة، خصوصا أننا نعيش مفهوم الشراكات في تحقيق الأهداف المشتركة، ونحن على ثقة تامة بأن الشراكة بين الحكومة والجمعيات الخيرية كأحد أشكال مؤسسات المجتمع المدني، مسألة ضرورية للتصدي للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها، إذ يمكننا إنجاز الكثير بتعاضد الجهود وتكامل المهمات بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، في ظل علاقة تقوم على أساس التكامل والتفاعل والاتفاق على تحقيق أهداف مشتركة، بحيث يتم ضمّ المزايا النسبية لكل طرف إلى الطرف الآخر في إطار تشاركي.
ما هذه الحلول الذكية؟ سؤال يجب أن يبحث فيه عدد مناسب من الاستشاريين المختصين في الشريعة الإسلامية وحلولها المالية، والقطاع المالي، وقطاع الأعمال الخيرية، والاقتصاد بقيادة وزارة الشؤون للوصول إلى موارد مالية مستدامة لجمعيات خيرية تغطي كل مجالات أعمال البر والخير (إغاثة، إسكان، صحة، تعليم وتدريب، تشغيل، بيئة، قضايا اجتماعية ... إلخ)، وبكل تأكيد سيتوصلون إلى حلول ابتكارية خارجة عن المألوف بتوظيف الصيغ الإسلامية، خصوصا صيغة الوقف التي مولت كل الأعمال الخيرية عبر التاريخ الإسلامي، التي لجأ إليها الغرب حاليا في تمويل أعماله الخيرية. ومن ناحيتي أقترح حلا يقوم على تكامل بين الأقطاب الرئيسة الثلاثة المعنية بالعمل الخيري (الحكومة، الممولون من أفراد أثرياء وشركات وجهات مانحة، وأفراد المجتمع) لتوفير موارد مالية مستدامة للجمعيات الخيرية بتوظيف الصيغ الوقفية، حيث تقوم الحكومة من خلال وزارتي الشؤون الاجتماعية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بحصر الجمعيات الخيرية في مجالات الخير المتعددة ومن ثم تحديد حجم التمويل السنوي اللازم لكل جمعية حسب نوعية وحجم عملها ونطاقها الجغرافي، ومن ثم دعمها في تأسيس أوقاف تحقق لها ما لا يقل عن 50 إلى 60 في المائة من المال الذي تحتاج إليه سنويا، وذلك من خلال الدعم الحكومي المقرون بدعم الممولين وأفراد المجتمع، خاصة أن أفراد المجتمع يمكن أن يسهموا بمبالغ كبيرة إذا شعروا بالثقة والمصداقية، وهم على أتم استعداد للمشاركة في بناء الأوقاف طلبا لما عند الله من الفضل والخير، خاصة أن الأوقاف تعد من الصدقة الجارية التي يحرص المسلمون على القيام بها. وأقترح أن يكون شهر رمضان المبارك، الذي تجود فيه الأنفس أكثر من غيره من الشهور، محطة سنوية لدعم الجمعيات الخيرية الفاعلة من خلال توفير أوقاف (أصول رأسمالية منتجة) تمكنها من النهوض بمهامها على أكمل وجه دون التأثر السلبي بحالة المانحين والمتبرعين. الأمل معقود على وزارتي الشؤون الاجتماعية والأوقاف والمهتمين بالعمل الخيري للقيام بذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي