معظم المؤتمرات لا تساوي ما يصرف عليها .. هل هذا صحيح؟
الآن وبعد أن استوعبنا أهمية المؤتمرات، وأهمية التعود على إلقاء جديدنا العلمي أو الثقافي، على جمع من الناس يملكون الخبرة في التفاعل؛ فيردون بأسئلة أو توضيح أو ينوهون بوجود بعض الثغرات التي تستدعي أن نعيد طرح إبداعاتنا بأسلوب مختلف، أو نستمر في ذات الطريق؛ حان الوقت لأن نستثمر الوقت الذي نقضيه في هذا المؤتمر أو ذاك وما تكبدنا من أجله مشقة سفر، أو صرف عليه وعلى حضورنا فيه مبالغ طائلة، وأن نعود بفوائد تنعكس على كل المحاور التي نوقشت في المؤتمر أو حتى وضع إقامة مثل هذه الفعاليات المفترض أنها مثمرة. في البداية إذا لم نكن نعرف تماما سبب الذهاب للمؤتمر، ولا تحديد كم المعلومات أو الخبرات الممكن الخروج بها من هذا التجمع العلمي. فإن الاستفادة منه ستكون معدومة، وأن الوقت الذي خصص له والمال الذي صرف هما م السلبيات التي تضاف إلى إقامة هذا الحدث أو النشاط. يهمنا الآن أن نبني جيلا واعيا لما يدور حوله فيكون أفضل منا مستقبلا في القيام بكل عمل بالشكل المطلوب وبجودة عالية.
لقد أصبح كثير من العلماء في التخصصات المختلفة يدرسون مدى الاستفادة من حضور المؤتمرات والندوات ويقيسون ويقيمون ماهية ونوعية الأفكار التي يمكن أن تكتسب، والفائدة التي يمكن أن يخرجوا بها من أي تجمع أعلن عنه لمناقشة حلول وأفكار جديدة. لم يقتصر مدى الاستفادة على المعارف المكتسبة، بل امتد إلى حساب التكاليف، وما رصد وصرف خلال هذه الأيام إزاء الفائدة المرجوة من مناقشة أي موضوع. من ناحية أخرى، أصبح القائمون على معظم المؤتمرات القيمة والغنية بالمعلومات، والمتضمنة إقامة ورش عمل وتدريب وغيرها من الأنشطة، شغوفين بالقيام بدراسات تقييمية تبدأ من أول يوم بدأ الإعداد فيه لأي مؤتمر وحتى آخر يوم يقرر فيه الانتهاء من أعماله. التقييم هنا للخطط المعدة والمواضيع المطروحة والوقت المناسب ونوعية المشاركين والحضور ومستوياتهم وخلفياتهم العلمية والثقافية، حتى من يكونون على الخط المباشر. كما أنهم يقيمون كم المعلومات الممكن أن يستقيها الحاضر للمؤتمر، وتناسب الأوقات المخصصة للمحاضرات والتدريب والتعليم في ورش العمل (إن وجدت). ولقد أصبحت المحادثات الجانبية والمقابلات الخارجية التي تتم خلال فترة انعقاد المؤتمر تسلط عليها الأضواء بشكل مكثف وتقاس وتقيم بشكل يومي لأنها لدى الكثير تعني بداية تعاون أو عقد صفقات، مما يعني أن هناك قيمة مضافة لهذا التجمع. أما نوعية المواضيع فقد باتت محكا لكثير من المسؤولين عن المؤتمرات في التخصصات المختلفة لأن المفكرين والعلماء أصبحوا صرحاء في القول والتعبير عن آرائهم إذا ما فُرّغ التجمع من المضمون الحقيقي.
خلال ما تبقى من هذا العام وبداية العام المقبل وفي الأعوام المقبلة ـــ بإذن الله ـــ ستقام عدة مؤتمرات مهمة في المملكة. نأمل أن يكون مردود هذه التجمعات إيجابيا ومثريا للعلوم التي ستدور المناقشات حولها وأن نهتم بالشؤون الجانبية التي أصبحت تلعب أدوارا كبيرة في نجاح المؤتمرات. لذلك لا بد من تخصيص لجنة في كل مؤتمر تعنى بالدراسات الجانبية لإقامة هذا الحدث العلمي، ومن ثم يتم نشر النتائج علميا وإعلاميا. ولتعم الفائدة وتكون مستقبلية حبذا لو أن الباحثين يكونون من الطلاب والطالبات في السنوات الأخيرة من دراساتهم الجامعية أو حتى من طلبة الماجستير والدكتوراه. في الواقع نريد لهم أن ينظروا لواقعهم فيحسنوا الطريق لمستقبلهم بفكر وإبداع وتميز مسؤولين عنه فيما بعد. هنا سيتعلم أبناؤنا متى تكون لديهم القدرة على تسجيل إضافة علمية تكون القيمة المضافة لمثل هذا التجمع. كما سيتعلمون: من يستحق أن يكون في هذا المؤتمر، وماهية الموضوع الأكثر حيوية في كل وقت ليركز عليه بإقامة مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل. سنساعدهم على تقييم حجم الفائدة التي حققها هذا التجمع العلمي من حيث المهارات والأفكار والإبداعات المختلفة. سنلفت انتباههم لقياس ما إذا كان المجتمعون يلتقون للمرة الأولى أو المائة، وهل اجتماعهم على الموائد أم في الممرات وفي كل مكان؟ وكيف نربط بين ما خرجنا به من المؤتمر وأهداف العمل الذي نقوم به يوميا؟ ما مدى استخدام كم المعلومات في الورق الهائل الموزع في المؤتمر بعد العودة للمكتب أو قاعة الدراسة أو المنزل. هل المؤتمر الناجح هو الذي يتيح للمجتمعين تسويق أنفسهم وإنتاجهم الفكري ومنتجاتهم الاستهلاكية ويجعل عملية الإعارة أو التعاقد أو الاستئجار ... إلخ، عمليات لنقل الأفكار وتبادل المنافع والتأكيد على التوجه نحو التغيير؟ ثم هل لدينا المواقع المناسبة للمؤتمرات والرعاة المتميزون في عقدها وأتيحت جميع الخدمات، حيث يمكن لكل مدينة أن تقيم عدة مؤتمرات في وقت واحد؟
نريد أن نساعد الجيل المقبل على أن يكون قادرا على تحديد مدى نجاح القائمين على أي تجمع علمي بإحداث طفرة فكرية إبداعية وتميز ثقافي. لأنهم يتذكرون أن 860 مليون نسمة عانوا في عام 2007م من الجوع، في حين صرف على أحد المؤتمرات البيئية أكثر من 20 مليون دولار في كل يوم من أيام المؤتمر، ولم يستطع الحاضرون احتواء المشكلة أو التقليل من أثرها. الآن وقد أصبح هناك مليار نسمة يتضورون جوعا، فهل يمكن أن يعكس الجيل المقبل المعادلة فيكون إيجاد الحلول لمثل هذه الأوضاع متزامنا مع القدرة على احتواء التكاليف والخروج من التجمعات العلمية بفائدة أكبر؟ الله أعلم.