الاستثمار العالمي بين الاقتصادين السعودي والخليجي
أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ''أونكتاد'' منتصف الشهر الماضي تقريره السنوي، بعنوان ''تقرير الاستثمار العالمي 2010''. هدف التقرير إلى تسليط الضوء على حركة النشاط الاستثماري حول العالم.
ولما لأهمية التعرف أكثر على نصيب الاقتصاد السعودي من هذه التدفقات ودوره المتوقع، فإنه من الأهمية بمكان قراءة التقرير من منظور الاقتصاد السعودي وربطه بالتطورات الاقتصادية العالمية في محاولة لقراءة مستقبل الاقتصاد السعودي في هذا الجانب.
تناول التقرير حركة النشاط الاستثماري حول العالم من خلال أربعة محاور. المحور الأول ''الاستثمار المباشر الوارد''، والمحور الثاني ''الاستثمار المباشر الصادر''، والمحور الثالث ''الاندماج والاستحواذ الوارد''، والمحور الرابع ''الاندماج والاستحواذ الصادر''.
أشار التقرير في محوريه الأول، ''الاستثمار المباشر الوارد''، والثاني ''الاستثمار المباشر الصادر''، إلى تباين في أداء الاستثمارات المباشرة لاقتصادات العالم شبه المتقدمة والنامية. حيث أشار التقرير إلى زيادة في توجه الاقتصادات شبه المتقدمة والنامية للاستثمار المباشر في القارة الإفريقية.
حيث بلغت استثمارات هذه الدول في القارة الإفريقية من إجمالي الاستثمارات الواردة للقارة 21 في المائة خلال الفترة 2005 إلى 2008، مقارنة بـ 18 في المائة خلال الفترة 1995 إلى 1999. تصدرت اقتصادات كل من الصين، وماليزيا، والهند، والخليج قائمة أكثر الاقتصادات المستثمرة في القارة الإفريقية خلال الفترة 2005 إلى 2008.
أشار التقرير كذلك إلى تراجع حركة الاستثمارات المباشرة بنوعيها الواردة إلى والصادرة من منطقة غرب آسيا خلال عام 2009. عزيت الأسباب إلى تراجع وتيرة نشاط التمويل والتجارة الدولية في منطقة غرب آسيا من جراء الأزمة المالية العالمية.
حيث بلغت الاستثمارات المباشرة الواردة إلى اقتصادات غرب آسيا 68 مليار دولار في 2009، مقارنة بـ 90 مليار دولار في 2008. تصدرت كل من الكويت، ولبنان، وقطر قائمة أقل اقتصادات غرب آسيا تضرراً من انخفاض هذه الاستثمارات، بينما احتلت كل من تركيا والإمارات ذيل القائمة.
ونجد عند النظر في التوزيع البيني لهذه الاستثمارات أن السعودية اجتذبت معظم الاستثمارات الواردة إلى المنطقة بجذبها لقرابة أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي، بينما اجتذبت كل من البحرين، والكويت، واليمن، وفلسطين أقل الاستثمارات الواردة بأحجام قلت عن المليار دولار أمريكي لكل اقتصاد.
قابل هذا الانخفاض في الاستثمارات الواردة لاقتصادات غرب آسيا انخفاض مماثل في الاستثمارات الصادرة منها. حيث بلغت الاستثمارات المباشرة الصادرة من اقتصادات غرب آسيا 23 مليار دولار في 2009، مقارنة بـ 38 مليار دولار في 2008.
ونجد عند النظر في التوزيع البيني لهذه الاستثمارات أن كلاً من السعودية والكويت استحوذتا على معظم الاستثمارات الصادرة من المنطقة بأحجام راوحت بين خمسة وعشرة مليارات دولار أمريكي لكل اقتصاد، بينما استحوذت اقتصادات كل من عمان، والعراق، والأردن، واليمن، وفلسطين، وسورية، البحرين أقل الاستثمارات الصادرة بأحجام قلت عن المليار دولار أمريكي لكل اقتصاد.
أشار التقرير في محوره الثالث، ''الاندماج والاستحواذ الوارد''، إلى تباين في نشاطات الاندماج والاستحواذ لاقتصادات العالم شبه المتقدمة والنامية. حيث انخفضت وتيرة المحور الثالث لاقتصادات غرب آسيا من 16 عملية بقيمة إجمالية تقارب 32 مليار دولار أمريكي في 2008 إلى أربع عمليات بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار دولار أمريكي في 2009. تمركزت ثلاث من هذه العمليات في تركيا في تأكيد واضح لتوجه الشركات التركية لتنويع محافظها الاستثمارية عن تلك المعمول بها خلال العقد الحالي من خلال بيع أصول شركات كبيرة إلى متوسطة.
أشار التقرير في محوره الرابع، ''الاندماج والاستحواذ الصادر''، إلى تباين في نشاطات الاندماج والاستحواذ لاقتصادات العالم شبه المتقدمة والنامية. حيث زادت وتيرة المحور الرابع لاقتصادات غرب آسيا من 22 عملية بقيمة إجمالية تقارب أربعة مليارات دولار أمريكي في 2008 إلى 27 عملية بقيمة إجمالية تقارب ثلاثة مليارات دولار أمريكي في 2009. تمركزت جميع هذه العمليات في اقتصادات الخليج في تأكيد واضح لتوجه الشركات الخليجية للاستثمار في شركات دولية قائمة غير خليجية ذات أحجام متوسطة إلى صغيرة.
كثيرة هي الفوائد عندما ننظر إلى نتائج تقرير الاستثمار العالمي 2010 وندمجها مع توقعات البنك الدولي حول حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من العقد الميلادي 2010/2015. حيث يمكن أن نخرج بخلاصة شمولية مفادها أن الاقتصاد السعودي بدأ بالتقدم على اقتصاديات منافسة له كالاقتصاد المصري والتايلاندي في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وهذ التقدم هو في واقعه خطوة أولية معتمدة على قطاع المشتقات النفطية لاحتلال مراكز متقدمة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولكن وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك اقتصادات خليجية يتوقع لها أن تتقدم خلال النصف الثاني من العقد الحالي 2015 ـــ 2020، نجدها تستبق الأحداث وتدخل منافسة قوية مع الاقتصاد السعودي خلال النصف الأول من العقد الحالي.
من أهم هذه الاقتصادات الاقتصاد القطري والكويتي. ولما تحمله روح المنافسة من فرص وتحديات أمام الاقتصادات المنافسة تمكنها من زيادة فرصها الجماعية وتقليل مخاطرها الجماعية، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على زيادة التنسيق بين اقتصادات الخليج بما يضمن استدامة نمو استثماراتها الدولية على المدى البعيد.