نمو الاقتصاد وانهياره
يزداد علم الاقتصاد كآبة عندما يرشح علماء الاقتصاد الإنفاق باعتباره الحل الأمثل للمشاكل الاقتصادية الراهنة وهو ما يتسبب في تراكم الديون على المستهلكين والدول. فمن الذي يقع عليه اللوم في هذا؟ هناك جون ماينارد كينيز الذي رشح في العشرينيات من القرن العشرين الإنفاق والتنظيم الحكومي كتدابير لازمة لحماية الوظائف. تهافتت الحكومات فورا على النظرية الكينزية التي وعدت بتوفير وظائف للجميع وبالمزايا الاجتماعية من دون زيادة في الضرائب أو الاضطرار إلى خفض الإنفاق.
استفادت الحكومات من البرامج والحوافز الحكومية لتشجيع الناس على الاقتراض ووظفت الحكومات خبراء في السياسات الكينزية لتعليم أجيال من صانعي السياسات. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي سهولة الحصول على القروض والمديونيات الضخمة للأفراد والشركات والدول مما أوقع العالم في الفوضى. ولن يخفف الإنفاق على برامج التحفيز ولا الحسومات الضريبية ولا خطط الانقاذ الحكومية من هذا المأزق.
كان لدى الخبير الاقتصادي إيروين شيف إجابة أخرى. عًُرف إيروين شيف في البداية بالقضايا والاحتجاجات التي رفعها ضد ضريبة الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية وبعمله المعارض للأنظمة الضريبية وهو ما أدى إلى دخوله السجن. طرح إيروين أفكارا تحررية مثل “التدخلات الحكومية المحدودة وتخفيض الضرائب والمسؤولية الشخصية”.
في أواخر الستينيات، أدلى إيروين بشهادته أمام الكونجرس بأن فك ارتباط الدولار بالذهب سيؤدي إلى تضخم هائل وغير مستدام للديون الحكومية. في أحد كتبه ألّف حكاية رمزية عن ثلاثة صيادين يعيشون في إحدى الجزر ليشرح من خلالها الأسس الاقتصادية. كان إيروين شيف قد ابتكر هذه القصة في الأساس لتعليم ولديه اللذين يقومان في هذا الكتاب بتحديث القصة وإعادة سردها ليستفيد منها القراء المعاصرون.
يرى مؤلفا الكتاب أن فصل الحكومات لعملاتها عما تملكه الدولة من أصول حقيقية يضعها على بداية الطريق نحو الهاوية. هناك دول عليها نصف ما على الولايات المتحدة من ديون إلا أن حالة العملة الاحتياطية التي يتمتع بها الدولار تسمح للبنك المركزي الأمريكي بطبع المزيد من الدولارات بلا هوادة بما يزيد ويفاقم الدين القومي.
ومع اقتراب عجز الميزانية الأمريكية إلى أرقام غير مسبوقة يكون الحل الوحيد الباقي هو رفع الضرائب وتقليل الإنفاق أو التخلف عن تسديد الديون. إلا أن زيادة الضرائب ستؤدي إلى تخفيض الإنتاجية والنمو، وتقليل الإنفاق سيؤثر في الخدمات العامة التي يريدها الناخبون.
أما التخلف عن تسديد الديون ولاسيما تلك المستحقة للدائنين الأجانب- فقد يكون هو السبيل الوحيد للخروج السياسي من المأزق. إن الإنفاق غير المحسوب يمكن أن يؤدي بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان إلى تفاقم التضخم وهو الذي يدمر النظم الاقتصادية على مر التاريخ.