بطالة في أكبر إنفاق حكومي
الموضوع ليس بجديد ولكنها الأرقام والإحصاءات حين تنشر؛ تؤكد وجود خلل واضح في الاقتصاد وهو البطالة. فقد نشرت مؤسسة النقد يوم الأربعاء الماضي أن الإقراض المصرفي للقطاع الخاص نما بنسبة 4.5 في المائة لحزيران (يونيو) بزيادة على الشهر السابق له. في حين أن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات نشرت أن نسب البطالة بناء على آخر مسوحات لها، كما في آب (أغسطس) 2009، تصل إلى 10.5 في المائة كرقم إجمالي، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 448 ألف شخص، 6.9 في المائة منهم ذكور و28.5 في المائة من الإناث. وما يزيد الأمر سوءاً أن هذه الفئة العاطلة عن العمل هم في غالبهم من الفئة العمرية العشرينية، حيث بلغ 43 في المائة من العاطلين من الذكور في الفئة العمرية (20 ـــ 24 سنة)، بينما 49 في المائة من العاطلين للإناث من الفئة العمرية (25 ـــ 29 سنة). والأكثر من ذلك أن هذه النسبة العالية من البطالة يحمل 44 في المائة منهم شهادة جامعية. ونظراً لأن الاقتصاد، والبطالة بالذات، منظومة يجب أن تتناغم مداراتها، فلك أن تدرك أن الإنفاق الحكومي لم يشهد تاريخ المملكة مثيلاً له في حجمه وقوة الاقتصاد على وجه العموم .. فأين الخلل؟
هل مخرجات التعليم لا توافق سوق العمل أم أن الفرص المتاحة في السوق للعمل لا تناسب مهارات السعوديين. بالطبع هذا تفسير مرفوض جملة وتفصيلاً (وليس ذلك دفاعاً عن المؤسسة التي أنتمي إليها)، فالجامعات غيّرت في السنوات الخمس الماضية من برامجها لتواكب مخرجاتها سوق العمل، وبرامج الابتعاث في جملتها لم تمنح إلا لتخصصات مطلوبة استقيت من واقع الحال بالتشاور مع القطاع الخاص وقراءة للإحصاءات في سوق العمل. وعلاوة على ذلك، فصندوق الموارد البشرية كأحد مصادر التمويل للتدريب يمنح فرصاً لا محدودة للقطاع الخاص لمساعدته على توظيف السعوديين. فهل القطاع الخاص استأثر بالتسهيلات نحو تمويل أعماله سواءً من الصناديق الحكومية أو من البنوك للاقتراض بناء على تنامي نسب الإقراض المصرفي، وذلك لبناء وتعظيم أحجام إمبراطوريات الأعمال؟ أم أن مقاولي الحكومة من القطاع الخاص الذين فازوا بعقود بالمليارات (في أكبر إنفاق حكومي) لا يلزمون أو يلتزمون بنسب السعودة. إنني أعتقد أن القرار يجب أن يكون سياسياً أكثر من كونه وجهة نظر اقتصادية يتناولها كتاب الاقتصاد والإعلام الاقتصادي بشكل عام. إن الوضع جدُّ خطير ووضع الكفاءة وغيرها من الأعذار كشماعة لتدني مستوى السعودة في بعض المنشآت الاقتصادية الخاصة أصبحت أمراً مكشوفاً لا تؤيده الإحصاءات. أضف إلى ذلك أنه يجب إعطاء الموظف فرصة للتدريب؛ وإلا فكيف له أن يكتسب الخبرة؟ نعم أدرك أن للقطاع الخاص الحق في توظيف الكفاءة بأقل التكاليف لتعظيم الأرباح، إلا أنه في المقابل أيضاً هناك حس وطني اجتماعي واقتصادي وأمني يجب أن يُنظر إليه بكل الاهتمام. فهذا العقد الحكومي أو ذاك وتلك التسهيلات التمويلية لم تعط من حكومة غير الحكومة السعودية ومن أرضها ومدخراتها. إنني مرة أخرى أؤكد ضرورة احتواء هذه المعضلة الاقتصادية، التي تصل أبعاد خطورتها إلى نواح اجتماعية وثقافية وأمنية وسياسية. وهذا لن يكون إلا بقرار سياسي حازم نحو الإلزام بتقليل نسبة (البطالة المتزايدة) ممن هم مؤهلون لسوق العمل في أكبر اقتصاد عربي وفي أوج إنفاق حكومي غير مسبوق. فهذه النسب من البطالة لا يمكن أن تكون في اقتصاد كبير مزدهر مدعوم بإنفاق حكومي ضخم، إذ تعد هذه النسبة عالية جداً.