رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


سياحة في بلاد الشام

زرت عددا من القلاع التي بنيت في العصور الماضية، وأذكر منها الآن: قلعة صلاح الدين في القاهرة، قلعة الكرك، وقلعة عجلون في الأردن، قلعة المرابطين أو الموحدين في الرباط، قلعة الحصن في حمص، وآخرها قلعة صلاح الدين في ميسلون بالقرب من صلنفة في الشام - تلك المدينة ذات الطبيعة الخلابة - وهذه القلاع غيض من فيض، وقليل من كثير، منها ما بناها الإفرنج، ومنها ما بناها المسلمون، وهي قلاع تشهد للحضارة العمرانية في ذلك العصر بالعظمة والعراقة. وما أكثر قلاع القائد البطل صلاح الدين الأيوبي التي تلاحقنا في كل مكان، تطل علينا في كل ناحية، وتشرف علينا من كل زاوية، تدهشنا بعظمتها وروعتها ودقة بنائها، وتدل على حضوره السياسي والعسكري إبان تلك الحقبة التاريخية الماضية في القرن السادس الهجري، وهي قلاع عامرة إلى اليوم بالزوار والسياح، يستحضرون أمجاده وبطولاته، ويعجبون من قامته كقائد محنك وشجاع، وربما يتغيض البعض من بطولاته وفتوحاته، وهو يرقد إلى اليوم بالقرب من الجامع الأموي في دمشق، وكأنه يذكّر الزوار والسياح بمجده السياسي والعسكري في بلاد مصر والشام، ليترحم عليه أحفاده وأحباؤه، ويحنق منه أعداؤه وألداؤه.
وقد ورد في الشام عموما - ومنها سورية وفلسطين - فضائل عدة، جاءت بها السنة، أكثرها أحاديث ضعيفة أو موضوعة، ومنها أحاديث صحيحة، ومن أبرزها ما في صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ''اللهم بارك لنا في شامنا''، وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ''ينزل عيسى ابن مريم - عليه السلام - عند المنارة البيضاء شرقي دمشق''، والمنارة هذه هي إحدى منائر الجامع الأموي، الضارب في أعماق الماضي، وهو أحد المساجد المهمة في التاريخ الإسلامي، ويقع بالقرب منه سجن القلعة الذي سجن فيه شيخ الإسلام ابن تيمية ومات فيه سنة 728هـ عليه رحمة الله المتتابعة إلى يوم القيامة. وبالقرب من سجن القلعة جامعة دمشق، ومقابلها كلية الطب، وخلف مبنى الكلية يشمخ ثلاثة قبور، أحدها قبر شيخ الإسلام ابن تيمية، والثاني قبر أخيه، والثالث قبر العماد ابن كثير صاحب التفسير والتاريخ، وقد أحيطت قبورهما الثلاثة بسياج حديدي، وعليها حجر قديم محفور بأسماء هؤلاء الأعلام الثلاثة، وهذه القبور هي التي بقيت من المقبرة الصوفية، حيث اندثرت كلها ولم يبق منها إلا هذه الثلاثة! وليس عليها أي مظهر من مظاهر الشرك أو البدعة، وكأن الله - تعالى - حفظها من هذه المظاهر؛ تكريما لهؤلاء الأعلام المناهضين للشرك والبدعة، والداعين إلى السلفية النقية إبان عصرهم، في القرنين السابع والثامن الهجريين، وهكذا حفظ الله قبر العلامة ابن القيم من هذه المظاهر، فقبره في بوابة مقبرة الباب الصغير، وليس عليه أي مظهر من مظاهر الشرك أو البدعة، وقد كان - رحمه الله - عَلما مناهضا للشرك والبدعة، معظما للتوحيد والسنة، فكان خارج المقبرة التي فيها القباب، راقدا عند بوابتها من الخارج!
وإضافة إلى الجامع الأموي، يوجد الجامع المبني في القرن الأول الهجري، حيث شيد في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على أنقاض الكنيسة الرومانية إثر الفتح العمري لبلاد الشام، والمتربع الآن على ثرى مدينة حماة، وقد هدم إثر أحداث حماة (سنة 1982) كسائر المساجد والجوامع، ثم أعيد بناؤه بإشراف رجل تسعيني خبير بالجامع وزواياه، وكأن مقدر الأقدار - سبحانه وتعالى - قد أبقاه ليعيد الجامع كما هو..! فأعيدت الأعمدة، والأحجار القديمة، لتكون شاهدة على حضارة الماضي، ويقال: إنه خامس المساجد القديمة بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى والجامع الأموي (ولا تشد الرحال إلا للمساجد الأولى الثلاثة)، لكن دعوى أنه خامس المساجد القديمة محل نظر، فهناك جوامع ضاربة في القدم، ومنها الجامع القديم في المدينة القديمة في صنعاء، والجامع القديم في فاس .. إلخ، وقد زرتهما قبل سنوات، فدهشت من قدمهما، ومن الحضور التاريخي في معالمهما المترامية في نواحيهما المختلفة. وفي قلعة الحصن في حمص يوجد مسجد بني على أنقاض كنيسة نصرانية في عصر القائد الإسلامي البطل الظاهر بيبرس، وقد كتب على باب المسجد الآية الكريمة: ''قل كل يعمل على شاكلته''. فسبحان مقلب القلوب والأحوال!

أستاذ الفقه المشارك في المعهد العالي للقضاء

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي