الشنقيطي: الأفضل والأكمل للمسلم إذا كان في مسجد النبي أن يجلس في الروضة
هل الأفضل الصلاة في الروضة الشريفة أم في الصف الأول من المسجد النبوي؟
عرضنا استفسار القارئ الكريم على فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي عضو هيئة كبار العلماء, الذي أجاب قائلا: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء- رحمهم الله - فقال بعض العلماء: الأفضل أن يصلي في الروضة وذلك لدليلين:
أما الدليل الأول فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صح عنه في الخبر أنه قال: ''ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة'', وهذا الحديث نص العلماء على أن المراد به إكثار الفضيلة والخير في الروضة في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم.
والأفضل والأكمل للمسلم إذا كان في مسجد النبي أن يحرص على الجلوس في الروضة لأنها روضة من رياض الجنة. قالوا: ويشمل هذا الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة لأنها روضة من رياض الجنة، وكأن المعنى أنها طريق للجنة وأن إكثار الخير فيها سبيل للجنة، وقيل: عظم الثواب وكثرة الأجر الذي جعله الله لمن جلس في هذه الروضة يذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: ''من عاد مريضاً فهو في خرفة الجنة حتى يعود'' قالوا: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: ''جناها'', وهذا يدل على عظيم ثوابه كأنه يجني الثمر في الجنة إشارة إلى عظيم ما أعد الله له من الثواب والأجر.
قالوا أما الدليل الثاني على تفضيل الروضة مطلقاً فقوله ـ سبحانه وتعالى: ''لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ'' قالوا فالروضة أقدم ما في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصف الأول قد زاده عمر بن عبد العزيز- رحمه الله - فتقدم على الروضة، وعلى هذا قالوا: إن الروضة هي من قديم المسجد الذي هو أحق أن يقام فيه، ومن هنا أخذ طائفة من العلماء أن المسجد القديم أفضل من المسجد الجديد. وأن ما كان من الزيادة يكون مفضولاً بالنسبة للمزيد فيه، وعلى هذا قالوا: إن الأفضل أن يصلي في الروضة سواء كان في فريضة أو نافلة.
وقال بعض العلماء: الصف الأول أفضل في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره, لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - فضل الصفوف الأولى بإطلاق ولم يفرق بين كونها مزيدة أو كونها من أصل المسجد.
وهناك قول ثالث اختاره جمع من المحققين وهو أولى الأقوال - إن شاء الله - بالصواب ، حيث قالوا: إن الصلاة صلاة النوافل في غير الفريضة والجماعة الأفضل أن تكون في الروضة، فالأفضل للمسلم إذا كان في غير وقت الفريضة أن يحرص على الجلوس في الروضة، وعلى ذكر الله سبحانه وتعالى فيها والاستكثار من الخير.
وأما بالنسبة للصف الأول بالنسبة للصلاة الفريضة فالأفضل أن يصلي في الصف الأول، ففرقوا بين صلاة الفريضة وبين الفضيلة المطلقة، والقاعدة أن ثبوت الفضائل والمناقب ونحوها من الأمور التي وردت على سبيل الخصوص لا تقتضي التفضيل من كل وجه. ومن أمثلة ذلك أن أبا بكر أفضل الصحابة على الإطلاق؛ لكن ورد لبعض الصحابة من الفضائل الخاصة ما لا يقتضي تفضيله على أبي بكر كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فضل بعض الصحابة ببعض الأمور وخصهم بها كتفضيل عمر ـ رضي الله عنه ـ بكونه محدثاً ملهما, وكتفضيل أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ بالأمانة وكتفضيل حذيفة بالسر ونحو ذلك من الفضائل والمناقب الخاصة، والتفضيل الخاص من الوجه الخاص لا يقتضي التفضيل على سبيل العموم فيقال: إن الصف الأول إذا كانت الجماعة مع الإمام في الفريضة فإنه أفضل؛ وذلك لأنه الصف الأول والنصوص دالة على فضله وتميزه وتقديمه على غيره.
وأما بالنسبة للروضة فيبقى لها الفضل المطلق في غير هذا الخاص، واختار هذا القول جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره من أئمة العلم، والله - تعالى - أعلم.