هل بالفعل لا نفهم من السفر إلا التسوق؟

ومن الصعوبة الإحاطة بكل هذه الأمور في مقال واحد, لذا سأركز مقالي على طريقة مواجهة أعباء الاستمتاع والاستفادة من الإجازة والترفيه من وجهة نظر شخصية. وموضوع كهذا يخص أصحاب الدخول المتدنية إلى المتوسطة الذين يريدون أن يتفاعلوا مع هذه المناسبات بما لا يؤثر كثيرا في مدخراتهم أو يتعارض مع خططهم المالية وأوضاعهم الاقتصادية. نريد في البداية أن نفكر بصوت عال ونسأل أنفسنا سؤالا نغفل جميعا عنه, وهو: لماذا يجب علينا أن نسافر في الصيف؟ وكل يستطيع أن يجيب بطريقته, لكن ـ من وجهة نظري ـ أن البعض يسافر لتغيير المكان وأسلوب الحياة وما قد يعتريها من رتابة وملل. صنف آخر يسافرون للاستمتاع بمناظر خلابة وأجواء معتدلة فيفرون إلى دوحات نضرة تسر العين وتروي القلب وتجدد الفكر وتمتع العقل. آخرون يسافرون من أجل الاستفادة وإثراء المعرفة, ويرون أن السفر دورة تثقيفية تزيد الخبرة وتصقل الموهبة وتنمي المعرفة. البعض الآخر يقودهم العقل الجمعي, فيسافرون لأنهم وجدوا الناس يفعلون ذلك فحذوا حذوهم, لكن لا يدرون لماذا؟ فئة أخرى تسافر من أجل أن يقال إنهم سافروا وتطرب قلوبهم عندما يتناقل الناس خبر سفرهم إلى الشرق أو الغرب ونراهم يعلنون نيتهم في السفر قبل رحيلهم بأسابيع يعرضون لنا من أين يبدأون وإلى أين ينتهون وكم من الوقت يبقون وعندما يعودون يحتاجون إلى نقاهة من هذه الجولة الاستعراضية. هذه الأصناف هي التي أراها في مجتمعي الضيق, وقد تكون هناك تصنيفات أخرى لا تحضرني في الوقت الحالي أو قد لا أعلم عنها.
ومن أراد أن يعرف من أي صنف هو فليعد إلى أرشيف السفرات الماضية ويتأكد من أهم البنود التي استنفدت موارده. في تقديري أن أهم وأكبر البنود التي تواجه العائلات السعودية في سفرهم تأتي حسب الترتيب التالي: التسوق، الأكل، السكن، والألعاب الترفيهية. الأشياء الأخرى كالتعرف على الآثار وزيارة المكتبات والمصانع والصناعات الحرفية وحضور الندوات العامة ومشاهدة الأفلام الوثائقية ومحاولة الغور في ثقافة البلد المضيف لا تهم كثيرا من الأسر السعودية لا من قريب ولا من بعيد, وهي عادة ما تكون خارج برنامج الرحلة, وإن فعلوها فعلى مضض, ولمرة واحدة تقريبا. إن أهم بند يلتهم أموال المسافرين السعوديين هو الأسواق, ولا أدري لماذا يتسوح السعوديون ــ وأنا منهم ــ من أجل التسوق وكأن أماكن إقامتنا خالية من كل هذا؟ العلامات (الماركات) العالمية الموجودة بجوار بيتك ستقابلك في البلد الذي ستقضي فيه إجازتك أينما كانت وجهتك. متى ندرك أن الأسواق متشابهة حتى الشعبية منها لا تختلف كثيرا. ولا أظن أن هناك شركة عملاقة إلا وقد نشرت فروعها ووكالاتها ولها آلياتها في الوصول إلى كل مستهلك في أي مكان ولا تحتاج منا إلى شد الرحال. لذا أقترح على الذين يريدون أن يديروا تكاليف سفرهم بكفاءة أن يتعقلوا قليلا ويبتعدوا عن المراكز التجارية خلال الرحلة ما أمكن، فالمبالغة في الشراء أكبر ما تستنزف مخصصات الرحلة للأسرة السعودية. فإن استطعت أن تحكم سيطرتك على هذا البند وتقنع من تعول بأن السلع التي في الرياض هي نفسها في جدة وفي أبها, وأسواقنا المحلية تشابه إلى حد كبير إن لم تكن أفضل من أسواق القاهرة وبيروت ولندن وغيرها من عواصم العالم التي يرتادها السعوديون.كما يجب أن نعيد النظر في فكرة السفر كل صيف إذا كان الهدف منه الترفيه, خصوصا أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة, أو الذين يعتمدون في سفرهم على البطاقات الائتمانية أو القروض الاستهلاكية. السفر مكلف جدا, فمتوسط تكلفة اليوم الواحد لأسرة مكونة من أربعة أشخاص يتجاوز ألف ريال. وإنني أتساءل: كيف يتصرف هؤلاء عندما ينوون السفر إذا كان ثلث دخلوهم تذهب أقساطا للبنوك ولشركات السيارات؟ إذا كانوا يعتمدون على الاقتراض أو البطاقات الائتمانية فقد زادوا الأمر تعقيدا, لأنهم يقترضون من أموالهم في المستقبل, أي أنهم يصرفون راتب الشهر القادم والذي يليه إذا لم تكن لديهم مصادر دخول أخرى. فإن كان السفر سيترتب عليه مزيد من المديونية, أو سيؤثر في أي مهمة استراتيجية قد توفر لنا حياة كريمة في المستقبل المنظور, أو إذا كان السفر لا يضيف لنا قدرا من المعرفة أو زيادة خبرة أو صقل تجربة, فلنقر في بيوتنا ولننظم لنا ولأسرنا برامج ترفيهية اجتماعية في أماكن إقامتنا, وأنا متأكد أننا لن نعجز في جلب المتعة وتحقيق السعادة. هذه مشاركة متواضعة للموضوع الذي طرحته ''الاقتصادية'' طليعة هذا الأسبوع, وكنت أريد المزيد لكنني متأكد أن لديكم الكثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي